اسمـاءٌ فـي القُـرآن الكريـم, مديــــــــــــن



أسمـاءٌ فـي القُـرآن الكريـم


مديــــــــــــن




    مدن في اللغة تعني الإقامة بالمكان، ومدين اسم أعجمي، وإن اشتق من العربية فمعنى ذلك أن" الياء" زائدة وهم ولد مدين أو مديان بن إبراهيم من امرأته قطورا، وكان قد اتخذها لنفسه مسكنا فنسبت إليه. وقد عاش مدين عمراً طويلاً، وتزوج امرأة من العمالقة فولدت له أربعين بنين، ونسلوا، فكثر عددهم في حياة مدين نفسه. ويرى أنه أمرهم ببناء مدينة حصينة سموها مدين.
     وتقع أرض مدين في الشام تلقاء غزة، ليست بعيدة عن ارض معان، وهي قريبة من بحر القلزم- الأحمر- على بعد 73 كم. وكان بينها وبين مصر ثمانية أيام، كما بين الكوفة والبصرة. ويمتد ساحل مدين على طول خليج العقبة لمسافة حوالي 200 ميل إلى الجنوب، ومن رأس الخليج إلى الشمال نحو 36 ميلاً، وهو ساحل متعرج. وعلى هذا الساحل تقع المدينة القديمة لمدين، والتي سماها بطليموس ويوسيبيوس موديانا ومودونا ولعلها هي مودين الواردة في سفر المكابيين الأول.

     ومدين أكبر من تبوك، وتبعد عنها 220 كم، وهي على العموم تقع على تخوم الحجاز الشمالية مع بلاد الشام. أما المقريزي فيجعل مدين من أرض مصر وليس من أرض الشام. والبعض جعل مدين تقع بين منطقة شاسعة تمتد بين طور سيناء ونهر الفرات. واعتبر البعض أن مدين من أعمال المدينة المنورة، وتابعة لها. وعلى حسب تحديد العهد القديم فإنّ المديانيين قد بنوا مستوطناتهم إلى الشرق من الحافة الشمالية للبحر الأحمر على طول خليج العقبة. وقيل: إنّ مدين اسم عربي لما كانوا عليه.

     كذلك قيل: اسم بلد وجعل أسماء للقبيلة، وهو الأرجح. وقال البعض: إنهم هم أصحاب الأيكة ويقال: إن بلدة البدع الحالية تشغل ما كان يعرف بمدين. وهذه البلدة تقع إلى الغرب من تبوك، على بعد 220 إلى 250كم، وتقع إلى الشرق من خليج العقبة، على بعد 70 كم ، وبها مكان يعرف بمصلى شعيب، وآثار نبي الله شعيب المعروفة بمغاير شعيب، وهو موضح فيه آثار ومجموعة من القبور القديمة.

    ويروى بأنّ مدين هي قرية كفر مندة الواقعة بين طبرية وعكا، وبها البئر الذي استقى منه موسى عليه السلام، ويقال: بأن بها قبر صفورة زوج موسى، وفيها ولد ولدان ليعقوب، يقال: لهما أشير ونفتالي. ويقال: إنّ في بادية طبرية عدد من قبور الأنبياء كشعيب عليه السلام ولا شك هذا التحديد بعيد عن الواقع التاريخي، نظرا لأنه يجعل مدين في أرض الشام بعيدة عن سيناء حيث لجأ موسى فارا من فرعون وحيث وصل وقومه بعد ذلك، وتاهوا في الصحراء.
     وذكر البعض أن ملوك مدين الذين هلكوا يوم الظلة هم أبجد أو أبو جاد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت. وإن أخت كلمن قالت شعرا ترثي أخاها. وقد كان ابجد يحكم مكة وماولاها من أرض الحجاز، وهوز وحطي بأرض الطائف، وكلمن وسعفص وقرشت بأرض مصر أما بخصوص الشعر لا ندري كيف وصل إلى الرواة مع الفارق الزمني الشاسع بين مدين وبين فترة رواية الشعر، كما أن الشعر مروي بكلمات عربية فصيحة،ربما لا نعرف الصلة بين لغة مدين واللغة العربية المعروفة إضافة إلى أن أسماء الملوك هي عبارة عن حروف الهجاء في عدد من اللغات السامية كالعبرية والسريانية. ولقد كان المديانيون قوما تجارا، يتاجرون بالذهب والبخور مع اليمن، وبعضهم كانوا بدوا قاموا بمهاجمة بني إسرائيل في فلسطين في عصر القضاة.وسكن فرع من المديانيين بالقرب من جبل سيناء.

     وقد أطلق عليهم بعض المؤلفين أرومان واليونانيين لفظة أي عرب أو بمعنى ىخر بدو على سكان مدين من الإسماعيليين والمديانيين ولهذا قال البعض إن المديانيين عرب. وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية إلى مدين أميرهم زيد بن حارثة فأصاب سبياً منهم. وقد استقرت قبيلة جذام في أرض مدين ولذلك يقال: إن شعيباً عليه السلام أحد بني وائل من جذام. ويذكر بعض النسابة أن جذام من ولد يعفر بن مدين بن إبراهيم، ويوردون حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه لوفد جذام:" مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى ولا تقوم الساعة حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد له" والوضع في هذا الحديث ظاهر بين، خاصة أنه من مرويات ابن الكلبي، وهو تالف، ولا تقبل رواياته. كما أنه يتعارض مع الحديث الحسن الذي يرويه الترمذي عن فروة بن مسيك المرادي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن جذام من نسل سبأ، الذين هاجروا من اليمن واستقروا في الشام كما أنه في السيرة لم يرد ضمن الوفود ذكر وفد قبيلة جذام، سوى قدوم شخصين أحدهما وفادة رفاعة بن زيد بن عمير بن معبد الجذامي الذي ذكر بأنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عبدا والثاني فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي الذي بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأهدى إليه بغلة بيضاء وفي الروايتين علل الانقطاع وضعف الإسناد، فبالتالي فالروايتان ضعيفتان إذن فإننا لا نرى نسبة أو علاقة بين جذام ومدين خاصة أن السابين والرواة ذكروا أن مدين من نسل إبراهيم عليه السلام، وليس من نسل سبا وقد نسب الرواة جذام إلى جذام عمرو بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن غريب زيد كهلان بن يشجب ويقول المقريزي: إنّ مالك بن دعر بن حجر بن جديلة بن لخم كان له 24 ولدا ذكرا، كثرت أولادهم حتى بنوا المدائن والقرى والحصون وعمروا بلاد مدين كلها وغلبوا على بلاد الشام ومصر والحجاز وغيرها 500 سنة وإن ملوك مدين استولوا على مصر مدة 500 سنة بعد غرق فرعون موسى وهلاك دلوكة بنت زفان حتى أخرجهم منها سليمان عليه السلام وبالتأكيد أن هذه القصة تناقض حقائق ووقائع التاريخ.

     كما أشار المقريزي أيضا أنه كان بأرض  مدين عدة مدائن قد باد أهلها وخربت وبقي منها إلى أيامه حوالي عام 825هـ نحو الأربعين مدينة قائمة، منها ما يعرف اسمه ومنها ما قد جهل اسمه.
     وفي موضع مدين اليوم العديد من الخرائب وإلى والآثار الدالة على ازدهار المنطقة في عصور سابقة، وتشهد على ما مرت به من أحداث وتطورات وتشمل الآثار مبان وبقايا قصور ومعابد وقبور وأدوات فخارية ومعدنية وحجرية. ويقال: إن في أرض مدين كهف كان يأوي إليه شعيب عليه السلام، وفيها جبال كثيرة وفيها كهوف ومغارات تحت الأرض، فيها عظام بالية عليها رواسخ مبنية، وهم قوم شعيب عليه السلام الذين أهلكهم الله تعالى. كما أن مدين شهدت عددا من الدول والممالك والأحداث التاريخية، وقال تعالى في سورة الأعراف/85: "وإلى مدين أخاهم شعيبا".



اسمـاءٌ فـي القُـرآن الكريـم
                                                       محمد رجب السامرائي