اسمـاءٌ فـي القُـرآن الكريـم, الـــــــــرّس


أسمـاءٌ فـي القُـرآن الكريـم

 الـــــــــرّس


  


الرّس في اللغة: البئر المطوية بالحجارة، القديمة أو المعدن والمع رساس، ووردت الإشارة إليها في بيت لزهير بن أبي سلمى:
بكرن بكورا واستمرن بسحرة        فهي ووادي الرّس كاليد والفم

    ورس الميت أي قبر. والرس الأثر القليل في الشيء ويقال:سمعت رسا من خبر وقيل:
 أن الكلمة أعجمية الأصل، تعني البئر، أو قرية. وقيل: إن الرس تعني أصحاب البنات، وأزد شنوءة يسمون البنين الرس وقد اختلف المفسرون في موضعه الجغرافي، واتفقوا على أن الرس بئر عظيمة أو حفير كبير، أو هو البئر لم تطو بالحجارة والآجر، وكان أصحاب الرس يعبدون شجرة، وقيل: أن هذه الشجرة هي شجرة الصنوبر، فدعا عليها نبيهم، وكان من أولاد يهوذا، فيبست، فقتلوه ودسوه في البئر، فأظلتهم سحابة سوداء فأحرقتهم. وقيل: كانوا يعبدون الأصنام، وكانوا أصحاب ماشية وآبار وسموا بأصحاب الرس لكونهم نازلين على الرس أو لكونهم أصابهم الخسف في الرس أو لأنهم احتفروا رسا. وقيل: إن أصحاب الرس كانوا في حضرموت، وكانت مدينتهم تسمى الرس، وكانت ذات أشجار وثمار وقرى عامرة، وعبد جزء من سكانها الأصنام وجزء منهم عبدوا النار. وكان بالمدينة جبل عال يقال له الفلج.

    ويقال: إنه بعدن لأمة من بقايا ثمود، وكان لهم ملك صالح، حسن السيرة، يدعى العليس، وكانت البئر تسقي المدينة باديتها وحاضرتها وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر، وهي تشبه الحياض كثيرة تملأ للناس، ولم يكن لهم ماء غيرها، فطال عمر الملك فلما جاءه الموت طلي بدهن لتبقى صورته ولا تتغير، وشق ذلك عليهم ورأوا أن أمرهم قد فسد وضجوا جميعا بالبكاء، واغتنمها الشيطان ، فدخل في جثة الملك بعد موته بأيام كثيرة فكلمهم وقال إني لم أمت ولكني تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم بعدي. ففرحوا أشد الفرح وأمر خاصته أن يضربوا حجابا بينه وبينهم، ويكلمهم من ورائه، كي لا يعرف الموت في صورته، فنصبوه صنما من وراء حجاب لا يأكل ولا يشرب، وأخبرهم أنه لا يموت أبدا، وإنه إله لهم وذلك كله يتكلم به الشيطان على لسانه فصدق كثير منهم وأرتاب بعضهم وكان المؤمن المكذب منهم أقل من المصدق فكلما تكلم ناصح منهم زجر وقهر، فاتفقوا على عبادته، فبعث الله لهم نبياً، كان الوحي ينزل عليهم في النوم دون اليقظة، وكان أسمه حنظلة بن صفوان، فأعلمهم أن الصورة صنم لا روح له، وأن الشيطان فيه وقد أضلهم وإن الله لا يتمثل بالخلق وإن الملك لا يجوز شريكا لله. فأذوه وعادوه وهو يتعاهدهم بالموعظة حتى قتلوه وطرحوه في بئر. وعند ذلك حلت عليهم النقمة والعذاب. ويقال: إن نبيهم هذا هو الذي دعا على الطائر العظيم العنقاء فأهلكها الله تعالى بالصواعق، يقول الله العزّيز في سورة ق/12: " وأصحاب الرس وثمود"

    كما يروى أنّ في اليمن وجد قبر، لوح مكتوب فيه:" أنا حنظلة بن صفوان أنا رسول الله قد بعثني الله إلى حمير وهمدان والعريب من اليمن فكذبوني وقتلوني" ويروى أيضا أن حنظلة هذا، كان من أهل بهراء اليمن وقيل: بعث إلى قبائل من ولد قحطان بن عاد وثمود، فقتلوه وطرحوه في البئر. ويقال: أن هذا النبي يدعى خالد بن سنان.قال تعالى في سورة الفرقان/38:"وأصحاب الرس وقرونا".
   وقيل: أنّ أصحاب الرس هم قوم شعيب كان لهم أصنام يعبدونها، أو هم قوم كانوا مع قوم شعيب. وقيل: إنّ أصحاب الرس قوم نساؤهم سحاقات، حيث يذكر أن الدلهات ابنة ابليس شهت إلى النساء ذلك الفعل وعلمتهن، فسلط الله عليهم صاعقة من أوّل الليل، وخسفا في أخره وصيحة مع الشمس، فلم يبق منهم أحد. وقيل: هم قوم كذبوا نبيهم وحبسوه في بئر ضيقة القعر ووضعوا على رأس البئر صخرة عظيمة، ولم يؤمن به سوى عبد أسود وقد عزّا السيوطي إخراج قصة إيمان العبد الأسود إلى الطبري وابن إسحاق عن محمد بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية مرسلة ويعلق عليها صديق بن حسن القنوجي بقوله: إن فيها: " نكارة وغرابة ولعل فيها ادراجا".
     وذكر بأنّ أهل الرس على نهر بهذا الاسم في بلاد المشرق، وكانوا يعبدون شجرة صنوبر تدعى" شات درخت" في زمن قبل سليمان بن داوود، وكان لهم 12 قرية. وأعظم قراهم تسمى اسفنديار التي كان بها ملكهم تركون بن عابور بن نوش بن سارب بن النمروذ بن كنعان، فرعون إبراهيم ولؤلاء القوم عادات وطقوس جاهلية، وثنية يقومون بها تعبدا لشجرة الصنوبر، مصدر الحياة لآلهتهم. فبعث الله تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب فكذبوه، فدعا عليهم بإيباس شجرهم، فأجمعوا على قتله، فحفروا بئرا ضيقة، ورسوه فيها حينها سلط الله عليهم العذاب والهلاك، لأذاب الله أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار. ويبدو أن هذه القصة غير عربية الأصل، وربما وافدة من ثقافات الشعوب المجاورة، ولا سيما منها الفارسية. وحتى كون قصة أصحاب الرس حدثت في أرمينيا هي أيضا غير عربية الأصل.

    والرّس هم أصحاب ياسين، أهل إنطاكية، قتلوا فيها حبيبا وقيل: هم أصحاب الأخدود قرب نجران. وقيل: إن الرس بئر قرب اليمامة يسمى فلجا، وهم بقية ثمود. والفلج والأفلاج منطقة عامرة بالسكان والعمران والنخيل وازروع في الجزء الجنوبي من اليمامة، مشهورة بعيونها الجارية وخصوبة أرضها وكثرة وديانها, وتبلغ مساحتها حوالي 54120 كم2. ويحد منطقة الأفلاج من الشمال الخرج والحوطة ومن الغرب جبل العارض ومن الجنوب والشرق رمال الربع الخالي والدهناء. وقاعدة الأفلاج الأن بلدة ليلى الواقعة على بعد 300كم إلى الجنوب من الرياض أو هو بحجر بناحية اليمامة على آبار.
     كما أنّ الرس والرسيس هما أيضاً واديان بنجد أو موضعان، وقيل: هما ماءان في بلاد العرب معروفان الرس لبني منقذ بن أعيا بن طريف من بني أسد، والرسيس لبني كاهل وبئر الرساس ماء لبني سلامان، والرس بناحية صيهد من أرض اليمن، ويرى أبو عبيد البكري أنه هو المعنى بالرس في القرآن الكريم.
  ويخلص الإمام الفخر الرازي إلى قوله حول هذه الروايات:" إن شيئاً من هذه الروايات غير معلوم بالقرآن الكريم ولا بخبر قوي الإسناد ولكنّهم كيف كانوا، فقد أخبر تعالى عنهم
 أنهم أهلكوا بسبب كفرهم".


اسمـاءٌ فـي القُـرآن الكريـم...
                                                       محمد رجب السامرائي