أسمـاءٌ فـي القُـرآن
الكريـم
بابــــــــــل
بسبب ورود بابل في حادثة السحر والملكين
وسليمان عليه السلام وبسبب الأخذ من روايات بني إسرائيل والقصص الأولى وبسبب ما
يحكيه الناس من أساطير حول السحر والسحرة وأعمالهم المخيفة وبسبب النقل أيضاً من
مؤلفات اليونانيين والرومان الذين كانوا يجمعون أعاجيب الشرق وقصصه، أصبح لبابل
ذكرا كثيرا في كتب التفسير والتاريخ والجغرافيا اختلطت فيه الحقائق بالأباطيل
وتغيرت فيه الثوابت وأضيف إلى وصف بابل العديد من الخيالات لدرجة تبعد عن الواقع
التاريخي الذي تأكد بمرور الزمن نتيجة للتطور في الاستكشافات الآثارية وظهور
العديد من النقوش والكتابات البابلية التي أماطت اللثام عن الواقع التاريخي
للمدينة العظيمة. وقبل الخوض في حقيقة بابل وباطلها سوف نفسر الآية حسب الرأي
الراجح البعيد عن الأساطير والحكايات، يقول تعالى في سورة البقرة/102:"واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على
الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا
تكفر".
وقد تباينت روايات وآراء وأقوال المفسرين
والرواة والمؤرخين والجغرافيين في تحديد موقع بابل ودورها السياسي والعسكري
والديني ومعناها اللغوي. وسوف نتطرق إلى تلك الأقوال محاولين نقدها وتقويمها ثم
سوف نتحدث عن تاريخ بابل ومعنى الاسم اللغوي لبابل كما هو معروف من المصادر والسجلّات
القديمة سواء كانت في بلاد الرافدين أو خارجها.
وذكر كثير من المؤرخين أن بابل المعنية في
الآية قد تكون في العراق أو هي نهاوند أو هي نصيبين بل وضعها البعض في بلاد
المغرب. وبلا شك ان كل التحديدات التي تخرج ببابل خارج بلاد الرافدين هي تحديدات
غير صحيحة ولا توجد في بلاد المغرب أو المشرق مدينة مشهورة ببابل سوى بابل بلاد
الرافدين. بل اسم بابل يعني منطقة أكبر من مدينة بابل نفسها، تحتوي على عدد من
البلدات والقرى.
كذلك أرجع عدد من الرواة المسلمين تسمية بابل
إلى رواية مفادها انه بعد أن توقفت سفينة نوح على الجودي خرج منها نوح
وأتباعه" وابتنوا ثمانين بيتا، فلما كثروا ابتنوا بابل، فكثروا فيها حتى
بلغوا مائة ألف، وملكهم نمرود بن كنعان بن سنحاريب بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح،
فردهم عن الإسلام، فأمسوا وكلامهم السريانية، وأصبحوا وليس منهم مخلوق يعرف كلام
صاحبه، فتبلبلت ألسنتهم" وهذه الرواية يبدو عليها الانتحال نظرا لأن راويها
ابن الكلبي وهو ضعيف، بل متهم بالكذب. وفي رواية مشابهة رواها داود بن أبي هند عن
علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أن نوحاً عليه السلام لما هبط إلى أسفل الجودي ابتنى قرية سماها
ثمانين فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها اللسان العربي.
ومدينة بابل، مدينة عريقة تقع على نهر الفرات،
وتبعد عن بغداد90 كم جنوبا، وهذه المدينة تقع بالقرب من أضيق منطقة يتقارب فيها
نهرا دجلّة والفرات. ولموقعها أهمية كبيرة فهي في وسط بلاد الرافدين بصورة عامة،
وتقع في مناطق يتركز فيها العمران والسكان والزراعية، ولها مناعة جغرافية وطبيعية.
ونشأت في المدينة أسرة عرفت بالأسرة البابلية
الأولى، أسسها الملك سمو ـ أبوم1894 ـ 1881 ق . م، ويعدّ
حمورابي 1792 ـ 1750 أو 1728
ـ 1686 ق. م من أشهر ملوك الدولة البابلية الأولى، وهو كذلك من أشهر الحكام في
التاريخ القديم. ونالت مدينة بابل حظا وافرا من الاهتمام حتى فاقت كل عواصم بلاد
الشرق المعاصرة لها، وأصبحت محط إعجاب الجميع ومرتعا خصبا للأساطير والقصص والحكايات.
وقد سقطت الدولة البابلية الأولى على يد مورسيليس الأول 1620ـ 1590 ق.م أحد أشهر
ملوك الحثيين. ثم نشأت في بابل الدولة الكاشية أو أسرة بابل الثالثة 1595 ـ 1157ق.
م، والكاشيون في الأصل من قبائل هندو ـ
أوربية، جبلية، سكنت شرق بلاد الرافدين. تمكنوا من فرض نفوذهم على بلاد الرافدين
مدة حوالي 576 سنة.
وقد أخذ اليهود تعاليم السحر والشعوذة من
بابل التي اشتهرت بهذا في عصورها المختلفة، ووضع البابليون قوانين لعلم السحر
والشعوذة الذي كانت له مكانة عالية في النفسية والعقلية البابلية والشرقية في
العصور القديمة، كذلك عرف البابليون السحر البيض النافع والسحر الأسود الضار،
وعبدوا آلهة مخصصة للسحر لدفع الضرر وجلّب
الخير ومقاومة الأرواح الشريرة مثل الربة أيا وابنها الإله مردوخ. وكان السحر
يتمتع في المجتمع البابلي باحترام لم يكن يخلو من الخوف والحذر. وكان رجال الكهنوت
من المرتبة الأولى لرجال الدين يقيمون طقوسا خاصة بذلك وتؤدي كذلك صلوات وتراتيل.
ويلعب الشياطين دورا بارزا في السحر، وكان الساحر يقارع الشياطين الشريرة الضارة،
بدعم من الإله مردوخ، وقد استخدم البابليون السحر في الطب وشفاء الأمراض.
اسمـاءٌ فـي القُـرآن الكريـم..... بابــــــــــل
محمد رجب السامرائي