تفسير الجلالين للقران الكريم أجزاء.. 9


تفسير الجلالين  للقران الكريم أجزاء.. 9


الجزء التاسع

88. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن ) ترجعن (في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه ) أي قال بعضهم لبعض ( لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
92. ( الذين كذبوا شعيبا ) مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق
93. ( فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) فكذبوه ( إلا أخذنا ) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى (فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
88. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن ) ترجعن (في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه ) أي قال بعضهم لبعض ( لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
92. ( الذين كذبوا شعيبا ) مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق
93. ( فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) فكذبوه ( إلا أخذنا ) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى (فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
105. ( حقيق ) جدير ( على أن ) أي بأن ( لا أقول على الله إلا الحق ) وفي قراءة بتشديد الياء فحقيق مبتدأ خبره أن وما بعدها ( قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي ) إلى الشام ( بني إسرائيل ) وكان استعبدهم
106. ( قال ) فرعون له ( إن كنت جئت بآية ) على دعواك ( فأت بها إن كنت من الصادقين ) فيها
107. ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) حية عظيمة
108. ( ونزع يده ) أخرجها من جيبه ( فإذا هي بيضاء ) ذات شعاع ( للناظرين ) خلاف ما كانت عليه من الأدمة
109. ( قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ) فائق في علم السحر وفي الشعراء أنه من قول فرعون نفسه فكأنهم قالوه معه على سبيل التشاور
110. ( يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون )
111. ( قالوا أرجه وأخاه ) أخِّر أمرهما ( وأرسل في المدائن حاشرين ) جامعين
112. ( يأتوك بكل ساحر ) وفي قراءة { سحار } ( عليم ) يفضل موسى في علم السحر فجمعوا
113. ( وجاء السحرة فرعون قالوا أئنَّ ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين ( لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين )
114. ( قال نعم وإنكم لمن المقربين )
115. ( قالوا يا موسى إما أن تلقي ) عصاك ( وإما أن نكون نحن الملقين ) ما معنا
116. ( قال ألقوا ) أمر للإذن بتقديم إلقائهم توصلاً به إلى إظهار الحق ( فلما ألقوا ) حبالهم وعصيهم ( سحروا أعين الناس ) صرفوها عن حقيقة إدراكها ( واسترهبوهم ) خوفوهم حيث خيلوها حيات تسعى ( وجاؤوا بسحر عظيم )
117. ( وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ) بحذف إحدى التاءين في الأصل تبتلع ( ما يأفكون ) يقلبون بتمويههم
118. ( فوقع الحق ) ثبت وظهر ( وبطل ما كانوا يعملون ) من السحر
119. ( فغلبوا ) أي فرعون وقومه ( هنالك وانقلبوا صاغرين ) صاروا ذليلين
120. ( وألقي السحرة ساجدين )
121. ( قالوا آمنا برب العالمين )
122. ( رب موسى وهارون ) لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر
123. ( قال فرعون أآمنتم ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا ( به ) بموسى ( قبل أن آذن ) أنا ( لكم إن هذا ) الذي صنعتموه ( لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ) ما ينالكم مني
124. ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ) أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى ( ثم لأصلبنكم أجمعين )
125. ( قالوا إنا إلى ربنا ) بعد موتنا بأي وجه كان ( منقلبون ) راجعون في الآخرة
126. ( وما تنقم ) تنكر ( منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً ) عند فعل ما توعدنا به لئلا نرجع كفاراً ( وتوفنا مسلمين )
127. ( وقال الملأ من قوم فرعون ) له ( أتذر ) تترك ( موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ) بالدعاء إلى مخالفتك ( ويذرك وآلهتك ) وكان صنع لهم أصناماً صغاراً يعبدونها وقال أنا ربكم وربها ولذا قال أنا ربكم الأعلى ( قال سنقتِّل ) بالتشديد (أبناءهم ) المولودين ( ونستحيي ) نستبقي ( نساءهم ) كفعلنا بهم من قبل ( وإنا فوقهم قاهرون ) قادرون ، ففعلوا بهم ذلك فشكا بنو إسرائيل
128. ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ) على أذاهم ( إن الأرض لله يورثها ) يعطيها ( من يشاء من عباده والعاقبة ) المحمودة ( للمتقين ) الله
129. ( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) فيها
130. ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ) بالقحط ( ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) يتعظون فيؤمنون
131. ( فإذا جاءتهم الحسنة ) الخصب والغنى ( قالوا لنا هذه ) أي نستحقها ولم يشكروا عليها ( وإن تصبهم سيئة ) جدب وبلاء ( يطيروا ) يتشاءموا ( بموسى ومن معه ) من المؤمنين ( ألا إنما طائرهم ) شؤمهم ( عند الله ) يأتيهم به ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن ما يصيبهم من عنده
132. ( وقالوا ) لموسى ( مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ) فدعا عليهم
133. ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام ( والجراد ) فأكل زرعهم وثمارهم كذلك ( والقمل ) السوس أو نوع من القراد ، فتتبع ما تركه الجراد ( والضفادع ) فملأت بيوتهم وطعامهم ( والدم ) في مياههم ( آيات مفصلات ) مبينات ( فاستكبروا ) عن الإيمان بها ( وكانوا قوماً مجرمين )
134. ( ولما وقع عليهم الرجز ) العذاب ( قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ) من كشف العذاب عنا إن آمنا ( لئن ) لام قسم ( كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )
135. ( فلما كشفنا ) بدعاء موسى ( عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم
136. ( فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ) البحر المالح ( بأنهم ) بسبب أنهم ( كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) لا يتدبرونها
137. ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون ) بالاستعباد وهم بنو إسرائيل ( مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) بالماء والشجر صفة للأرض وهي الشام ( وتمت كلمة ربك الحسنى ) وهي قوله { ويريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } (على بني إسرائيل بما صبروا ) على أذى عدوهم ( ودمرنا ) أهلكنا ( ما كان يصنع فرعون وقومه ) من العمارة ( وما كانوا يعرِشون ) بكسر الراء وضمها يرفعون من البنيان
138. ( وجاوزنا ) عبرنا ( ببني إسرائيل البحر فأتوا ) فمروا ( على قوم يعكفون ) بضم الكاف وكسرها ( على أصنام لهم ) يقيمون على عبادتها ( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ) صنما نعبده ( كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) حيث قابلتم نعمة الله عليكم بما قلتموه
139. ( إن هؤلاء متبر ) هالك ( ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )
140. ( قال أغير الله أبغيكم إلها ) معبوداً وأصله أبغي لكم ( وهو فضلكم على العالمين ) في زمانكم بما ذكره في قوله
141. ( و ) اذكروا ( إذ أنجيناكم ) وفي قراءة { أنجاكم } ( من آل فرعون يسومونكم ) يكلفونكم ويذيقونكم ( سوء العذاب ) أشده وهو ( يقتلون أبناءكم ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم وفي ذلكم ) الإنجاء والعذاب ( بلاء ) إنعام أو ابتلاء ( من ربكم عظيم) أفلا تتعظون فتنتهوا عما قلتم
142. ( وواعدنا ) بألف ودونها ( موسى ثلاثين ليلةً ) نكلمه عند انتهائها بأن يصومها وهي ذو القعدة فصامها فلما تمت أنكر خلوف فمه فاستاك فأمره الله بعشرة أخرى ليكلمه بخلوف فمه كما قال تعالى ( وأتممناها بعشر ) من ذي الحجة ( فتم ميقات ربه ) وقت وعده بكلامه إياه ( أربعين ) حال ( ليلة ) تمييز ( وقال موسى لأخيه هارون ) عند ذهابه إلى الجبل للمناجاة ( اخلفني ) كن خليفتي ( في قومي وأصلح ) أمرهم ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) بموافقتهم على المعاصي
143. ( ولما جاء موسى لميقاتنا ) أي للوقت الذي وعدناه بالكلام فيه ( وكلمه ربه ) بلا واسطة كلاماً سمعه من كل جهة ( قال رب أرني ) نفسك ( أنظر إليك قال لن تراني ) أي لا تقدر على رؤيتي ، والتعبير به دون لن أُرى يفيد إمكان رؤيته تعالى ( ولكن انظر إلى الجبل ) الذي هو أقوى منك ( فإن استقر ) ثبت ( مكانه فسوف تراني ) أي تثبت لرؤيتي وإلا فلا طاقة لك ( فلما تجلى ربه ) أي ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث صححه الحاكم ( للجبل جعله دكا ) بالقصر والمد أي مدكوكاً مستوياً بالأرض ( وخر موسى صعقاً ) مغشياً عليه لهول ما رأى ( فلما أفاق قال سبحانك ) تنزيهاً لك (تبت إليك ) من سؤال ما لم أؤمر به ( وأنا أول المؤمنين ) في زماني
144. ( قال ) تعالى له ( يا موسى إني اصطفيتك ) اخترتك ( على الناس ) أهل زمانك ( برسالاتي ) بالجمع والإفراد (وبكلامي ) أي تكليمي إياك ( فخذ ما آتيتك ) من الفضل ( وكن من الشاكرين ) لأنعمي
145. ( وكتبنا له في الألواح ) أي ألواح التوراة وكانت من سدر الجنة أو زبرجد أو زمرد سبعة أو عشرة ( من كل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( موعظة وتفصيلاً ) تبييناً ( لكل شيء ) بدل من الجار والمجرور قبله ( فخذها ) قبله قلنا مقدراً ( بقوة ) بجد واجتهاد ( وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين ) فرعون وأتباعه وهي مصر لتعتبروا بهم
146. ( سأصرف عن آياتي ) دلائل قدرتي من المصنوعات وغيرها ( الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) بأن أخذلهم فلا يتكبرون فيها ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل ) طريق ( الرشد ) الهدى الذي جاء من عند الله ( لا يتخذوه سبيلا ) يسلكوه ( وإن يروا سبيل الغي ) الضلال ( يتخذوه سبيلا ذلك ) الصرف ( بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) تقدم مثله
147. ( والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ) البعث وغيره ( حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) ما عملوه في الدنيا من خير كصلة رحم وصدقة فلا ثواب لهم لعدم شرطه ( هل ) ما ( يجزون إلا ) جزاء ( ما كانوا يعملون ) من التكذيب والمعاصي
148. ( واتخذ قوم موسى من بعده ) أي بعد ذهابه إلى المناجاة ( من حُلِيِّهم ) الذي استعاروه من قوم فرعون بعلَّة عرس فبقي عندهم ( عجلاً ) صاغه لهم منه السامري ( جسداً ) بدل من لحما ودما ( له خوار ) أي صوت يسمع انقلب كذلك بوضع التراب الذي أخذه من حافر جبريل في فمه فإن أثره الحياة فيما يوضع فيه ، ومفعول اتخذ الثاني محذوف أي إلها ( ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ) فكيف يتخذ إلها ( اتخذوه ) إلها ( وكانوا ظالمين ) باتخاذه
149. ( ولما سقط في أيديهم ) أي ندموا على عبادته ( ورأوا ) علموا ( أنهم قد ضلوا ) بها وذلك بعد رجوع موسى ( قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) بالياء والتاء فيهما ( لنكونن من الخاسرين )
150. ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان ) من جهتهم ( أسفاً ) شديد الحزن ( قال ) لهم ( بئسما ) أي بئس خلافة (خلفتمونيـ ) ـها ( من بعدي ) خلافتكم هذه حيث أشركتم ( أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح ) ألواح التوراة غضباً لربه فتكسرت ( وأخذ برأس أخيه ) أي بشعره بيمنيه ولحيته بشماله ( يجره إليه ) غضباً ( قال ) يا ( ابن أمِّ ) بكسر الميم وفتحها ، أراد أمي وذكرها أعطف لقلبه ( إن القوم استضعفوني وكادوا ) قاربوا ( يقتلونني فلا تشمت ) تفرح ( بي الأعداء ) بإهانتك إياي ( ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) بعبادة العجل في المؤاخذة
151. ( قال رب اغفر لي ) ما صنعت بأخي ( ولأخي ) أشركه الدعاء إرضاء له ودفعا للشماتة به ( وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )
152. قال تعالى ( إن الذين اتخذوا العجل ) إلها ( سينالهم غضب ) عذاب ( من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ) فعذبوا بالأمر بقتل أنفسهم وضربت عليهم الذلة إلى يوم القيامة ( وكذلك ) كما جزيناهم ( نجزي المفترين ) على الله بالإشراك وغيره
153. ( والذين عملوا السيئات ثم تابوا ) رجعوا عنها ( من بعدها وآمنوا ) بالله ( إن ربك من بعدها ) أي التوبة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم
154. ( ولما سكت ) سكن ( عن موسى الغضب أخذ الألواح ) التي ألقاها ( وفي نسختها ) أي ما نسخ فيها أي كتب (هدى ) من الضلالة ( ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) يخافون وأدخل اللام على المفعول لتقدمه
155. ( واختار موسى قومه سبعين ) أي من قومه ( رجلاً لميقاتنا ) ممن لم يعبدوا العجل بأمره تعالى ( فلما ) أي للوقت الذي وعدناه يإتيانهم فيه ليعتذروا من عبادة العجل فخرج بهم ( أخذتهم الرجفة قال ) الزلزلة الشديدة ، قال ابن عباس : لأنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل ، قال : وهم غير الذين سألوا الرؤية وأخذتهم الصاعقة ( رب ) موسى ( لو شئت أهلكتهم من قبل ) أي قبل خروجي بهم ليعلن بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني ( وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) استفهام استعطاف أي لا تعذبنا بذنب غيرنا ( إن ) ما ( هي ) أي الفتنة التي وقع فيها السفهاء ( إلا فتنتك ) ابتلاؤك ( تضل بها من تشاء ) إضلاله ( وتهدي من تشاء ) هدايته ( أنت ولينا ) متولي أمورنا ( فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين )
156. ( واكتب ) أوجب ( لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) حسنة ( إنا هدنا ) تبنا ( إليك قال ) تعالى ( عذابي أصيب به من أشاء ) تعذيبه ( ورحمتي وسعت ) عمَّت ( كل شيء ) في الدنيا ( فسأكتبها ) في الآخرة ( للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون )
157. ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) محمد صلى الله عليه وسلم ( الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) باسمه وصفته ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ) مما حرم في شرعهم ( ويحرم عليهم الخبائث ) الميتة ونحوها ( ويضع عنهم إصرهم ) ثقلهم ( والأغلال ) الشدائد ( التي كانت عليهم ) كقتل النفس في التوبة وقطع أثر النجاسة (فالذين آمنوا به ) منهم ( وعزَّروه ) ووقروه ( ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ) أي القرآن ( أولئك هم المفلحون )
158. ( قل ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ) القرآن ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) ترشدون
159. ( ومن قوم موسى أمة ) جماعة ( يهدون ) الناس ( بالحق وبه يعدِلون ) في الحكم
160. ( وقطَّعناهم ) فرقنا بني إسرائيل ( اثنتي عشرة ) حال ( أسباطا ) بدل منه ، أي قبائل ( أمما ) بدل من قبله ( وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ) في التيه ( أن اضرب بعصاك الحجر ) فضربه ( فانبجست ) انفجرت ( منه اثنتا عشرة عيناً ) بعدد الأسباط ( قد علم كل أناس ) سبط منهم ( مشربهم وظللنا عليهم الغمام ) في التيه من حر الشمس ( وأنزلنا عليهم المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السُّماني بتخفيف الميم والقصر وقلنا لهم ( كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
161. ( و ) اذكر ( إذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ) بيت المقدس ( وكلوا منها حيث شئتم وقولوا ) أمرنا ( حطة وادخلوا الباب ) أي باب القرية ( سجداً ) سجود انحناء ( نغفر ) بالنون والتاء مبنيا للمفعول ( لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ) بالطاعة ثواباً
162. ( فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم ) فقالوا حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم ( فأرسلنا عليهم رجزاً ) عذاباً ( من السماء بما كانوا يظلمون )
163. ( واسألهم ) يا محمد توبيخاً ( عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) مجاورة بحر القلزم وهي أيلة ما وقع بأهلها ( إذ يعدون ) يعتدون ( في السبت ) بصيد السمك المأمورين بتركه فيه ( إذ ) ظرف ليعدوه ( تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ) ظاهرة على الماء ( ويوم لا يسبتون ) لا يعظمون السبت أي سائر الأيام ( لا تأتيهم ) ابتلاء من الله ( كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ) ولما صادوا السمك افترقت القرية أثلاثاً ثلثٌ صادوا معهم وثلثٌ نهوهم وثلثٌ أمسكوا عن الصيد والنهي
164. ( وإذ ) عطف على إذ قبله ( قالت أمة منهم ) لم تصد ولم تنه لمن نهى ( لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا ) موعظتنا ( معذرةً ) نعتذر بها ( إلى ربكم ) لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي ( ولعلهم يتقون ) الصيد
165. ( فلما نسوا ) تركوا ( ما ذكروا ) وعظوا ( به ) فلم يرجعوا ( أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ) بالاعتداء ( بعذاب بئيس ) شديد ( بما كانوا يفسقون )
166. ( فلما عتوا ) تكبروا ( عن ) ترك ( ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة ) صاغرين فكانوها ، وهذا تفصيل لما قبله ، قال ابن عباس : ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة ، وقال عكرمة : لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه وقالت لم تعظون الخ ، وروى الحاكم عن ابن عباس : أنه رجع إليه وأعجبه
167. ( وإذ تأذن ) أعلم ( ربك ليبعثن عليهم ) أي اليهود ( إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) بالذل وأخذ الجزية فبعث عليها سليمان وبعده بختنصر فقتلهم وسباهم وضرب عليهم الجزية فكانوا يؤدونها إلى المجوس إلى بعث نبينا صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم ( إن ربك لسريع العقاب ) لمن عصاه ( وإنه لغفور ) لأهل طاعته ( رحيم ) بهم
168. ( وقطعناهم ) فرقناهم ( في الأرض أمما ) فرقا ( منهم الصالحون ومنهم ) ناس ( دون ذلك ) الكفار والفاسقون ( وبلوناهم بالحسنات ) بالنعم ( والسيئات ) النقم ( لعلهم يرجعون ) عن فسقهم
169. ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ) التوراة عن آبائهم ( يأخذون عرض هذا الأدنى ) أي حطام هذا الشيء الدنيء من حلال وحرام ( ويقولون سيغفر لنا ) ما فعلناه ( وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ) الجملة حال أي يرجون المغفرة وهم عائدون إلى مافعلوه مصرون عليه وليس في التوراة وعد المغفرة مع الإصرار ( ألم يؤخذ ) استفهام تقرير ( عليهم ميثاق الكتاب ) الإضافة بمعنى في ( أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ) عطف على يؤخذ ، قرؤوا ( ما فيه ) فلم كذبوا عليه ينسبة المغفرة إليه مع الإصرار ( والدار الآخرة خير للذين يتقون ) الحرام ( أفلا يعقلون ) بالياء والتاء ، أنها خير فيؤثرونها على الدنيا
170. ( والذين يمسِّكون ) بالتشديد والتخفيف ( بالكتاب ) منهم ( وأقاموا الصلاة ) كعبد الله بن سلام وأصحابه ( إنا لا نضيع أجر المصلحين ) الجملة خبر الذين ، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر أي أجرهم
171. ( و ) اذكر ( إذ نتقنا الجبل ) رفعناه من أصله ( فوقهم كأنه ظلة وظنوا ) أيقنوا ( أنه واقع بهم ) ساقط عليهم بوعد الله إياهم بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وكانوا أبوها لثقلها فقبلوا وقلنا لهم ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واذكروا ما فيه) بالعمل به ( لعلكم تتقون )
172. ( و ) اذكر ( إذ ) حين ( أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار ( ذريتهم ) بأن أخرج بعضهم من صلب بعض من صلب آدم نسلاً بعد نسلٍ كنحو ما يتوالدون كالذرِّ بنعمان يوم عرفة ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا ( وأشهدهم على أنفسهم ) قال ( ألست بربكم قالوا بلى ) أنت ربنا ( شهدنا ) بذلك والإشهاد لـ ( أن ) لا ( يقولوا ) بالياء والتاء في الموضعين ، أي الكفار ( يوم القيامة إنا كنا عن هذا ) التوحيد ( غافلين ) لا نعرفه
173. ( أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ) أي قبلنا ( وكنا ذرية من بعدهم ) فاقتدينا بهم ( أفتهلكنا ) تعذبنا ( بما فعل المبطلون ) من آبائنا بتأسيس الشرك ، المعنى لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس
174. ( وكذلك نفصل الآيات ) نبينها مثل ما بينا الميثاق ليتدبروها ( ولعلهم يرجعون ) عن كفرهم
175. ( واتل ) يا محمد ( عليهم ) أي اليهود ( نبأ ) خبر ( الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) خرج بكفره كما تخرج الحية من جلدها وهو بلعم بن باعوراء من علماء بني إسرائيل ، سئل أن يدعو على موسى وأهدي إليه شيء فدعا فانقلب عليه واندلع لسانه على صدره ( فأتبعه الشيطان ) فأدركه فصار قرينه ( فكان من الغاوين )
176. ( ولو شئنا لرفعناه ) إلى منازل العلماء ( بها ) بأن نوفقه للعمل ( ولكنه أخلد ) سكن ( إلى الأرض ) أي الدنيا ومال إليها ( واتبع هواه ) في دعائه إليها فوضعناه ( فمثله ) صفته ( كمثل الكلب إن تحمل عليه ) بالطرد والزجر ( يلهث ) يدلع لسانه ( أو ) إن ( تتركه يلهث ) وليس غيره من الحيوان كذلك ، وجملتا الشرط حال ، أي لاهثاً ذليلاً بكل حال ، والقصد التشبيه في الوضع والخسة بقرينة الفاء المشعرة بترتيب ما بعدها على ما قبلها من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى وبقرينة قوله ( ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص ) على اليهود ( لعلهم يتفكرون ) يتدبرون فيها فيؤمنون
177. ( ساء ) بئس ( مثلاً القوم ) أي مثل القوم ( الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ) بالتكذيب
178. ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون )
179. ( ولقد ذرأنا ) خلقنا ( لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ) الحق ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) دلائل قدرة الله بصر اعتبار ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ ( أولئك كالأنعام ) في عدم الفقه والبصر والاستماع ( بل هم أضل ) من الأنعام لأنها تطلب منافعها وتهرب من مضارها وهؤلاء يقدمون على النار معاندة ( أولئك هم الغافلون )
180. ( ولله الأسماء الحسنى ) التسعة والتسعون الوارد بها الحديث ، والحسنى مؤنث الأحسن ( فادعوه ) سموه ( بها وذروا ) اتركوا ( الذين يلحدون ) من ألحد ولحد ، يميلون عن الحق ( في أسمائه ) حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم كاللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان ( سيجزون ) من الآخرة جزاء ( ما كانوا يعملون ) وهذا قبل الأمر بالقتال
181. ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث
182. ( والذين كذبوا بآياتنا ) القرآن من أهل مكة ( سنستدرجهم ) نأخذهم قليلاً قليلاً ( من حيث لا يعلمون )
183. ( وأملي لهم ) أمهلهم ( إن كيدي متين ) شديد لا يطاق
184. ( أولم يتفكروا ) فيعلموا ( ما بصاحبهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( من جنة ) جنون ( إن ) ما ( هو إلا نذير مبين ) بيِّن الإنذار
185. ( أولم ينظروا في ملكوت السماوات ) ملك ( والأرض و ) في ( ما خلق الله من شيء ) بيان لما ، فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته ( و ) في ( أن ) أي أنه ( عسى أن يكون قد اقترب ) قرب ( أجلهم ) فيموتوا كفارا فيصيروا إلى النار فيبادروا إلى الإيمان ( فبأي حديث بعده ) أي القرآن ( يؤمنون )
186. ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ) بالياء والنون مع الرفع استئنافا والجزم عطفا على محل بعد الفاء ( في طغيانهم يعمهون ) يترددون تحيراً
187. ( يسألونك ) أي أهل مكة ( عن الساعة ) القيامة ( أيان ) متى ( مرساها قل ) لهم ( إنما علمها ) متى تكون ( عند ربي لا يجليها ) يظهرها ( لوقتها ) اللام بمعنى في ( إلا هو ثقلت ) عظمت ( في السماوات والأرض ) على أهلها لهولها ( لا تأتيكم إلا بغتة ) فجأة ( يسألونك كأنك حفي ) مبالغ في السؤال ( عنها ) حتى علمتها ( قل إنما علمها عند الله ) تأكيد ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أن علمها عنده تعالى
188. ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ) أجلبه ( ولا ضراً ) أدفعه ( إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب ) ما غاب عني (لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) من فقر وغيره لاحترازي عنه باجتناب المضار ( إن ) ما ( أنا إلا نذير ) بالنار للكافرين (وبشير ) بالجنة ( لقوم يؤمنون )
189. ( هو ) أي الله ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) أي آدم ( وجعل ) خلق ( منها زوجها ) حواء ( ليسكن إليها ) ويألفها (فلما تغشاها ) جامعها ( حملت حملاً خفيفاً ) هو النطفة ( فمرت به ) ذهبت وجاءت لخفته ( فلما أثقلت ) بكبر الولد في بطنها وأشفقا أن يكون بهيمة ( دعوا الله ربهما لئن آتيتنا ) ولداً ( صالحاً ) سوياً ( لنكونن من الشاكرين ) لك عليه
190. ( فلما آتاهما ) ولداً ( صالحاً جعلا له شركاء ) وفي قراءة بكسر الشين والتنوين أي شريكا ( فيما آتاهما ) بتسميته عبد الحارث ولا ينبغي أن يكون عبداً إلا لله ، وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم وروى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره »رواه الحاكم وقال صحيح والترمذي وقال حسن غريب ( فتعالى الله عما يشركون ) أي أهل مكة به من الأصنام والجملة مسببة عطف على خلقكم وما بينهما اعتراض
191. ( أيشركون ) به في العبادة ( ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون )
192. ( ولا يستطيعون لهم ) أي لعابديهم ( نصراً ولا أنفسهم ينصرون ) بمنعها ممن أراد بهم سوءاً من كسر أو غيره والاستفهام للتوبيخ
193. ( وإن تدعوهم ) أي الأصنام ( إلى الهدى لا يتبعوكم ) بالتخفيف والتشديد ( سواء عليكم أدعوتموهم ) إليه ( أم أنتم صامتون ) عن دعائهم لا يتبعوه لعدم سماعهم
194. ( إن الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله عباد ) مملوكة ( أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ) دعاءكم ( إن كنتم صادقين ) في أنها آلهة
195. ثم بين غاية عجزهم وفضل عابديهم عليهم فقال ( ألهم أرجل يمشون بها أم ) بل أ ( لهم أيد ) جمع يد ( يبطشون بها أم) بل أ ( لهم أعين يبصرون بها أم ) بل أ ( لهم آذان يسمعون بها ) استفهام إنكاري ، أي ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالاً منهم ( قل ) لهم يا محمد ( ادعوا شركاءكم ) إلى هلاكي ( ثم كيدون فلا تنظرون ) تمهلون فإني لا أبالي بكم
196. ( إن وليي الله ) متولي أموري ( الذي نزل الكتاب ) القرآن ( وهو يتولى الصالحين ) بحفظه
197. ( والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ) فكيف أبالي بهم
198. ( وإن تدعوهم ) أي الأصنام ( إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ) أي الأصنام يا محمد ( ينظرون إليك ) أي يقابلونك كالناظر (وهم لا يبصرون )
199. ( خذ العفو ) اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها ( وأمر بالعرف ) بالمعروف ( وأعرض عن الجاهلين ) فلا تقابلهم بسفههم
200. ( وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( ينزغنك من الشيطان نزغ ) أي إن يصرفك عما أمرت به صارف (فاستعذ بالله ) جواب الشرط وجواب الأمر محذوف أي يدفعه عنك ( إنه سميع ) للقول ( عليم ) بالفعل
201. ( إن الذين اتقوا إذا مسهم ) أصابهم ( طيف ) وفي قراءة { طائف } أي شيء ألم بهم ( من الشيطان تذكروا ) عقاب الله وثوابه ( فإذا هم مبصرون ) الحق من غيره فيرجعون
202. ( وإخوانهم ) أي أخوان الشياطين من الكفار ( يمدونهم ) أي الشياطين ( في الغي ثم ) هم ( لا يقصرون ) يكفون عنه بالتبصر كما تبصر المتقون
203. ( وإذا لم تأتهم ) أي أهل مكة ( بآية ) مما اقترحوا ( قالوا لولا ) هلا ( اجتبيتها ) أنشأتها من قبل نفسك ( قل ) لهم ( إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ) وليس لي أن آتي من عند نفسي بشيء ( هذا ) القرآن ( بصائر ) حجج ( من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
204. ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) عن الكلام ( لعلكم ترحمون ) نزلت في ترك الكلام في الخطبة وعبر عنها بالقرآن لاشتمالها عليه وقيل في قراءة القرآن مطلقاً
205. ( واذكر ربك في نفسك ) أي سراً ( تضرعاً ) تذللاً ( وخيفةً ) خوفاً منه ( و ) فوق السر ( دون الجهر من القول) أي قصداً بينهما ( بالغدو والآصال ) أوائل النهار وأواخره ( ولا تكن من الغافلين ) عن ذكر الله
206. ( إن الذين عند ربك ) أي الملائكة ( لا يستكبرون ) يتكبرون ( عن عبادته ويسبحونه ) ينزهونه عما لا يليق به (وله يسجدون ) أي يخصونه بالخضوع والعبادة فكونوا مثلهم

8. سورة الأنفال
1. ( يسألونك ) يا محمد ( عن الأنفال ) الغنائم لمن هي ( قل ) لهم ( الأنفال لله ) يجعلها حيث شاء ( والرسول ) يقسمها بأمر الله فقسمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء ، رواه الحاكم في المستدرك ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) حقاً
2. ( إنما المؤمنون ) الكاملو الإيمان ( الذين إذا ذكر الله ) أي وعيده ( وجلت ) خافت ( قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ) تصديقاً ( وعلى ربهم يتوكلون ) به يثقون لا بغيره
3. ( الذين يقيمون الصلاة ) يأتون بها بحقوقها ( ومما رزقناهم ) أعطيناهم ( ينفقون ) في طاعة الله
4. ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( هم المؤمنون حقاً ) صدقاً بلا شك ( لهم درجات ) منازل في الجنة ( عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) في الجنة
5. ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) متعلقٌ بأخرج ( وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ) الخروج والجملة حالٌ من كافِ أخرجك وكما خبر مبتدأ محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم وقد كان خيراً لهم فكذلك أيضاً وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبي جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر فشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال إن الله وعدني إحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير وكره بعضهم ذلك وقالوا لم نستعد له كما قال تعالى
6. ( يجادلونك في الحق بعد ما تبين ) ظهر لهم ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) إليه عياناً في كراهتهم له
7. ( و ) اذكر ( إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ) العير أو النفير ( أنها لكم وتودون ) تريدون ( أن غير ذات الشوكة ) أي البأس والسلاح وهي العير ( تكون لكم ) لقلة عددها ومددها بخلاف النفير ( ويريد الله أن يحق الحق ) يظهره ( بكلماته ) السابقة بظهور الإسلام ( ويقطع دابر الكافرين ) آخرهم بالاستئصال فأمركم بقتال النفير
8. ( ليحق الحق ويبطل ) يمحق ( الباطل ) الكفر ( ولو كره المجرمون ) المشركون ذلك
17. ( فلم تقتلوهم ) ببدر بقوتكم ( ولكن الله قتلهم ) بنصره إياكم ( وما رميت ) يا محمد أعين القوم ( إذ رميت ) بالحصى لأن كفَّا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر ( ولكن الله رمى ) بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين ( وليبلي المؤمنين منه بلاءً ) عطاءً ( حسناً ) هو الغنيمة ( إن الله سميع ) لأقوالهم ( عليم ) بأحوالهم
18. ( ذلكم ) الإبلاء حق ( وأن الله موهن ) مضعف ( كيد الكافرين )
19. ( إن تستفتحوا ) أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه ( فقد جاءكم الفتح ) القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ( وإن تنتهوا ) عن الكفر والحرب ( فهو خير لكم وإن تعودوا ) لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعد ) لنصره عليكم ( ولن تغني ) تدفع ( عنكم فئتكم ) جماعاتكم ( شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) بكسر إن استئنافا وفتحها على تقدير اللام
20. ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا ) تعرضوا ( عنه ) بمخالفة أمره ( وأنتم تسمعون ) القرآن والمواعظ
21. ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) سماع تدبر واتعاظ وهم المنافقون أو المشركون
22. ( إن شر الدواب عند الله الصم ) عن سماع الحق ( البكم ) عن النطق به ( الذين لا يعقلون )
23. ( ولو علم الله فيهم خيراً ) صلاحاً بسماع الحق ( لأسمعهم ) سماع تفهم ( ولو أسمعهم ) فرضا وقد علم أن لا خير فيهم (لتولوا ) عنه ( وهم معرضون ) عن قبوله عناداً وجحوداً
24. ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) بالطاعة ( إذا دعاكم لما يحييكم ) من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته ( وأنه إليه تحشرون ) فيجازيكم بأعمالكم
25. ( واتقوا فتنة ) إن أصابتكم ( لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) بل تعمهم وغيرهم واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر (واعلموا أن الله شديد العقاب ) لمن خالفه
26. ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ) أرض مكة ( تخافون أن يتخطفكم الناس ) يأخذكم الكفار بسرعة ( فآواكم) إلى المدينة ( وأيدكم ) قواكم ( بنصره ) يوم بدر بالملائكة ( ورزقكم من الطيبات ) الغنائم ( لعلكم تشكرون ) نعمه
27. ونزل في أبي لبابة مروان بن عبد المنذر وقد بعثه إلى بني قريظة لينزلوا على حكمه فاستشاروه فأشار إليهم أنه الذبح لأن عياله وماله فيهم ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ) ولا ( وتخونوا أماناتكم ) ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره ( وأنتم تعلمون )
28. ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) لكم صادَّة عن أمور الآخرة ( وأن الله عنده أجر عظيم ) فلا تفوتوه بمراعاة الأموال والأولاد والخيانة لأجلهم ونزل في توبته
29. ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله ) بالإنابة وغيرها ( يجعل لكم فرقاناً ) بينكم وبين ما تخافون فتنجون ( ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم ) ذنوبكم ( والله ذو الفضل العظيم )
30. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ يمكر بك الذين كفروا ) وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة ( ليثبتوك ) يوثقوك ويحبسوك ( أو يقتلوك ) كلهم قتلة رجل واحد ( أو يخرجوك ) من مكة ( ويمكرون ) بك ( ويمكر الله ) بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج ( والله خير الماكرين ) أعلمهم به
31. ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) القرآن ( قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة ( إن ) ما ( هذا ) القرآن ( إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين )
32. ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا ) الذي يقرؤه محمد ( هو الحق ) المنزل ( من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) مؤلم على بصيرة وجزم ببطلانه
33. قال تعالى ( وما كان الله ليعذبهم ) بما سألوه ( وأنت فيهم ) لأن العذاب إذا نزل عمَّ ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) حيث يقولون في طوافهم غفرانك غفرانك وقيل هم المؤمنون المستضعفون فيهم كما قال تعالى { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما }
34. ( وما لهم أ ) ن ( لا يعذبهم الله ) بالسيف بعد خروجك والمستضعفين وعلى القول الأول هي ناسخة لما قبلها وقد عذبهم الله ببدر وغيره ( وهم يصدون ) يمنعون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ( عن المسجد الحرام ) أن يطوفوا به ( وما كانوا أولياءه ) كما زعموا ( إن ) ما ( أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن لا ولاية لهم عليه
35. ( وما كان صلاتُهم عند البيت إلا مكاءً ) صفيراً ( وتصديةً ) تصفيقاً ، أي جعلوا ذلك موضع صلاتهم التي أمروا بها ( فذوقوا العذاب ) ببدر ( بما كنتم تكفرون )
36. ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ) في حرب النبي صلى الله عليه وسلم ( ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون ) في عاقبة الأمر ( عليهم حسرة ) ندامة لفواتها وفوات ما قصدوه ( ثم يغلبون ) في الدنيا ( والذين كفروا ) منهم ( إلى جهنم ) في الآخرة ( يحشرون ) يساقون
37. ( ليميز ) متعلق بتكون بالتخفيف والتشديد أي يفصل ( الله الخبيث ) الكافر ( من الطيب ) المؤمن ( ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً ) يجمعه متراكماً بعضه على بعض ( فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون )
38. ( قل للذين كفروا ) كأبي سفيان وأصحابه ( إن ينتهوا ) عن الكفر وقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( يغفر لهم ما قد سلف ) من أعمالهم ( وإن يعودوا ) إلى قتاله ( فقد مضت سنة الأولين ) أي سنتنا فيهم بالهلاك فكذا نفعل بهم
39. ( وقاتلوهم حتى لا تكون ) توجد ( فتنة ) شرك ( ويكون الدين كله لله ) وحده ولا يعبد غيره ( فإن انتهوا ) عن الكفر ( فإن الله بما يعملون بصير ) فيجازيهم به
40. ( وإن تولوا ) عن الإيمان ( فاعلموا أن الله مولاكم ) ناصركم ومتولي أموركم ( نعم المولى ) هو ( ونعم النصير ) أي الناصر لكم