تفسير الجلالين للقران الكريم أجزاء.. 5



تفسير الجلالين  للقران الكريم أجزاء.. 5


الجزء الخامس

24. ( و ) حرمت عليكم ( المحصنات ) أي ذوات الأزواج ( من النساء ) أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أو لا ( إلا ما ملكت أيمانكم ) من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء ( كتاب الله ) نصب على المصدر أي كتب ذلك ( عليكم وأحل ) بالبناء للفاعل والمفعول ( لكم ما وراء ذلكم ) أي سوى ما حرم عليكم من النساء ( أن تبتغوا ) تطلبوا النساء ( بأموالكم ) بصداق أو ثمن ( محصنين ) متزوجين ( غير مسافحين ) زانين ( فما ) فمن ( استمتعتم ) تمتعتم ( به منهن ) ممن تزوجتم بالوطء ( فآتوهن أجورهن ) مهورهن التي فرضتم لهن ( فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم ) أنتم وهنَّ ( به من بعد الفريضة ) من حطها أو بعضها أو زيادة عليها ( إن الله كان عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم
25. ( ومن لم يستطع منكم طولا ) أي غنى ( أن ينكح المحصنات ) الحرائر ( المؤمنات ) هو جري على الغالب فلا مفهوم له ( فمن ما ملكت أيمانكم ) ينكح ( من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم ) فاكتفوا بظاهره وكلوا السرائر إليه فإنه العالم بتفضيلها ورب أمة تفضل حرة فيه وهذا تأنيس بنكاح الإماء ( بعضكم من ) أي أنتم وهن سواء في الدين فلا تستنكفوا من نكاحهن ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) مواليهن ( وآتوهن ) أعطوهن ( أجورهن ) مهورهن ( بالمعروف ) من غير مطل ونقص ( محصنات ) عفائف حال ( غير مسافحات ) زانيات جهراً ( ولا متخذات أخدان ) أخلاء يزنون بهن سراً ( فإذا أُحصن ) زُوِّجْن وفي قراءة { أحصنَّ } بالبناء للفاعل تزوجن ( فإن أتين بفاحشة ) زنا ( فعليهن نصف ما على المحصنات ) الحرائر الأبكار إذا زنين ( من العذاب ) الحد فيجلدن خمسين ويغربن نصف سنة ويقاس عليهن العبيد ولم يجعل الإحصان شرطا لوجوب الحد لإفادة أنه لا رجم عليهن أصلا ( ذلك) أي نكاح المملوكات عند عدم الطول ( لمن خشي ) خاف ( العنت ) الزنا ، وأصله المشقة ، سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة ( منكم ) بخلاف من لا يخافه من الأحرار فلا يحل له نكاحها وكذا من استطاع طول حرة وعليه الشافعي وخرج بقوله { من فتياتكم المؤمناتِ } : الكافراتُ ، فلا يحل له نكاحها ولو عدم وخاف ( وأن تصبروا ) عن نكاح المملوكات ( خير لكم ) لئلا يصير الولد رقيقا ( والله غفور رحيم ) بالتوسعة في ذلك
26. ( يريد الله ليبين لكم ) شرائع دينكم ومصالح أمركم ( ويهديكم سنن ) طرائق ( الذين من قبلكم ) من الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم ( ويتوب عليكم ) يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته ( والله عليم ) بكم (حكيم ) فيما دبره لكم
27. ( والله يريد أن يتوب عليكم ) كرره ليبني عليه ( ويريد الذين يتبعون الشهوات ) اليهود والنصارى أو المجوس أو الزناة ( أن تميلوا ميلا عظيما ) تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم
28. ( يريد الله أن يخفف عنكم ) يسهل عليكم أحكام الشرع ( وخلق الإنسان ضعيفا ) لا يصبر عن النساء والشهوات
29. ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) بالحرام في الشرع كالربا والغصب ( إلا ) لكن ( أن تكون ) تقع ( تجارةٌ ) وفي قراءة بالنصب ، أن تكون الأموال أموال تجارة صادرة ( عن تراض منكم ) وطيب نفس فلكم أن تأكلوها ( ولا تقتلوا أنفسكم ) بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها أيا كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة ( إن الله كان بكم رحيما ) في منعه لكم من ذلك
30. ( ومن يفعل ذلك ) أي ما نهي عنه ( عدوانا ) تجاوزا للحلال حال ( وظلما ) تأكيد ( فسوف نصليه ) ندخله ( نارا ) يحترق فيها ( وكان ذلك على الله يسيرا ) هينا
31. ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة ، وعن ابن عباس: « هي إلى السبعمائة أقرب » . ( نكفر عنكم سيئاتكم ) الصغائر بالطاعات ( وندخلكم مُدخلا ) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا (كريما ) هو الجنة
32. ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض ( للرجال نصيب ) ثواب ( مما اكتسبوا ) بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره ( وللنساء نصيب مما اكتسبن ) من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن ، نزلت لما قالت أم سلمة: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وكان لنا مثل أجر الرجال ( واسألوا ) بهمزة ودونها ( الله من فضله ) ما احتجتم إليه يعطكم ( إن الله كان بكل شيء عليما ) ومنه محل الفضل وسؤالكم
33. ( ولكل ) من الرجال والنساء ( جعلنا موالي ) عصبة يعطون ( مما ترك الوالدان والأقربون ) لهم من المال ( والذين عاقدت ) بألف ودونها ( أيمانكم ) جمع يمين بمعنى القسم أو اليد الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث ( فآتوهم ) الآن ( نصيبهم ) حظوظهم من الميراث وهو السدس ( إن الله كان على كل شيء شهيدا ) مطلعا ومنه حالكم ، وهذا منسوخ بقوله { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }
34. ( الرجال قوامون ) مسلطون ( على النساء ) يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك ( وبما أنفقوا ) عليهن ( من أموالهم فالصالحات ) منهن ( قانتات ) مطيعات لأزواجهن (حافظات للغيب ) أي لفروجهن وغيرها في غيبة أزواجهن ( بما حفظ ) لهن ( الله ) حيث أوصى عليهن الأزواج ( واللاتي تخافون نشوزهن ) عصيانهن لكم بأن ظهرت أمارته ( فعظوهن ) فخوفوهن الله ( واهجروهن في المضاجع ) اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز ( واضربوهن ) ضربا غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران ( فإن أطعنكم ) فيما يراد منهن ( فلا تبغوا ) تطلبوا ( عليهن سبيلا ) طريقا إلى ضربهن ظلما ( إن الله كان عليا كبيرا ) فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتوهن
35. ( وإن خفتم ) علمتم ( شقاق ) خلاف ( بينهما ) بين الزوجين ، والإضافة للاتساع أي شقاقا بينهما ( فابعثوا ) إليهما برضاهما ( حكما ) رجلا عدلا ( من أهله ) أقاربه ( وحكما من أهلها ) ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يفرِّقان إن رأياه ، قال تعالى: ( إن يريدا ) أي الحكمان ( إصلاحا يوفق الله بينهما ) بين الزوجين أي يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق ( إن الله كان عليما ) بكل شيء ( خبيرا ) بالبواطن كالظواهر
36. ( واعبدوا الله ) وحده ( ولا تشركوا به شيئا و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ) برا ولين جانب ( وبذي القربى ) القرابة ( واليتامى والمساكين والجار ذي القربى ) القريب منك في الجوار أو النسب ( والجار الجنب ) البعيد عنك في الجوار أو النسب ( والصاحب بالجنب ) الرفيق في سفر أو صناعة وقيل الزوجة ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره ( وما ملكت أيمانكم ) من الأرقاء ( إن الله لا يحب من كان مختالا ) متكبرا ( فخورا ) على الناس بما أوتي
37. ( الذين ) مبتدأ ( يبخلون ) بما يجب عليهم ( ويأمرون الناس بالبخل ) به ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) من العلم والمال وهم اليهود ، وخبر المبتدأ لهم وعيد شديد ( وأعتدنا للكافرين ) بذلك وبغيره ( عذابا مهينا ) ذا إهانة
38. ( والذين ) عطف على الذين قبله ( ينفقون أموالهم رئاء الناس ) مرائين لهم ( ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) كالمنافقين وأهل مكة ( ومن يكن الشيطان له قرينا ) صاحبا يعمل بأمره كهؤلاء ( فساء ) بئس ( قرينا ) هو
39. ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله ) أيْ أيُّ ضرر عليهم في ذلك والاستفهام للإنكار ولو مصدرية أي لا ضرر فيه وإنما الضرر فيما هم عليه ( وكان الله بهم عليما ) فيجازيهم بما عملوا
40. ( إن الله لا يظلم ) أحدا ( مثقال ) وزن ( ذرة ) أصغر نملة بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته ( وإن تك ) الذرة ( حسنةً ) من مؤمن ، وفي قراءة بالرفع فكان تامة ( يضاعفها ) من عشر إلى أكثر من سبعمائة وفي قراءة { يضعِّفها } بالتشديد ( ويؤت من لدنه ) من عنده مع المضاعفة ( أجرا عظيما ) لا يقدره أحد
41. ( فكيف ) حال الكفار ( إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) يشهد عليها وهو نبيها ( وجئنا بك ) يا محمد ( على هؤلاء شهيدا )
42. ( يومئذ ) يوم المجيء ( يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو ) أي أن ( تُسَوَّى ) بالبناء للمفعول والفاعل مع حذف إحدى التاءين في الأصل ، ومع إدغامها في السين { تَسَّوَّى } أي تتسوى ( بهم الأرض ) بأن يكونوا ترابا مثلها لعظم هوله كما في آية أخرى: { ويقول الكافرين يا ليتني كنت ترابا } ( ولا يكتمون الله حديثا ) عما عملوه وفي وقت آخر يكتمونه ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين
43. ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ) أي لا تُصَلُّوا ( وأنتم سكارى ) من الشراب لأن سبب نزولها صلاة جماعة في حالة سكر ( حتى تعلموا ما تقولون ) بأن تصحوا ( ولا جنبا ) بإيلاج أو إنزال ، ونصبه على الحال وهو يطلق على المفرد وغيره ( إلا عابري ) مجتازي ( سبيل ) طريق أي مسافرين ( حتى تغتسلوا ) فلكم أن تصلوا واستثناء المسافر لأن له حكما آخر سيأتي ، وقيل المراد النهي عن قربان مواضع الصلاة أي المساجد إلى عبورها من غير مكث ( وإن كنتم مرضى ) مرضاً يضره الماء ( أو على سفر ) أي مسافرين وأنتم جنب أو محدثون ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) هو المكان المعد لقضاء الحاجة أي أحدث ( أو لامستم النساء ) وفي قراءة { لمستم } بلا ألف وكلاهما بمعنى اللمس هو الجس باليد ، قاله ابن عمر وعليه الشافعي وألحق به الجس بباقي البشرة ، وعن ابن عباس هو الجماع ( فلم تجدوا ماء ) تتطهرون به للصلاة بعد الطلب والتفتيش وهو راجع إلى ماعدا المرضى ( فتيمموا ) اقصدوا بعد دخول الوقت ( صعيدا طيبا ) ترابا طاهرا فاضربوا به ضربتين ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) مع المرفقين منه ، ومَسَحَ يتعدى بنفسه وبالحرف ( إن الله كان عفوا غفورا )
44. ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ) حظا ( من الكتاب ) وهم اليهود ( يشترون الضلالة ) بالهدى ( ويريدون أن تضلوا السبيل ) تخطئوا الطريق لتكونوا مثلهم
45. ( والله أعلم بأعدائكم ) منكم فيخبركم بهم لتجتنبوهم ( وكفى بالله وليا ) حافظا لكم منهم ( وكفى بالله نصيرا ) مانعا لكم من كيدهم
46. ( من الذين هادوا ) قوم ( يحرفون ) يغيرون ( الكلم ) الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم (عن مواضعه ) التي وضع عليها ( ويقولون ) للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء ( سمعنا ) قولك ( وعصينا ) أمرك ( واسمع غير مسمع ) حال بمعنى الدعاء أي لا سمعت ( و ) يقولون له ( راعنا ) وقد نهى عن خطابه بها وهي كلمة سب بلغتهم ( ليَّا ) تحريفا ( بألسنتهم وطعنا ) قدحا ( في الدين ) الإسلام ( ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا ) بدل وعصينا ( واسمع ) فقط (وانظرنا ) انظر إلينا بدل راعنا ( لكان خيرا لهم ) مما قالوه ( وأقوم ) أعدل منه ( ولكن لعنهم الله ) أبعدهم عن رحمته ( بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه
47. ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا ) من القرآن ( مصدقا لما معكم ) من التوراة ( من قبل أن نطمس وجوها ) نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب ( فنردها على أدبارها ) فنجعلها كالأقفاء لوحا واحدا ( أو نلعنهم ) نمسخهم قردة ( كما لعنا ) مسحنا ( أصحاب السبت ) منهم ( وكان أمر الله ) قضاؤه ( مفعولا ) ولما نزلت أسلم عبد الله بن سلام فقيل كان وعيدا بشرط فلما أسلم بعضهم رفع وقيل يكون طمس ومسخ قبل قيام الساعة
48. ( إن الله لا يغفر أن يشرك ) أي الإشراك ( به ويغفر ما دون ) سوى ( ذلك ) من الذنوب ( لمن يشاء ) المغفرة له بأن يدخله الجنة بلا عذاب ومن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ثم يدخله الجنة ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما ) ذنبا ( عظيما ) كبيرا
49. ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) وهم اليهود حيث قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه أي ليس الأمر بتزكيتهم أنفسهم ( بل الله يزكي ) يطهر ( من يشاء ) بالإيمان ( ولا يظلمون ) ينقصون من أعمالهم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة
50. ( انظر ) متعجبا ( كيف يفترون على الله الكذب ) بذلك ( وكفى به إثما مبينا ) بينا
51. ونزل في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر وحرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) ضمان لقريش (ويقولون للذين كفروا ) أبي سفيان وأصحابه حين قالوا لهم أنحن أهدى سبيلا ونحن ولاة نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل أم محمد وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم ( هؤلاء ) أي أنتم ( أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ) أقوم طريقا
52. ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً ) مانعا من عذابه
53. ( أم ) بل أ ( لهم نصيب من الملك ) أي ليس لهم شيء منه ولو كان ( فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) أي شيئا تافها قدر النقرة في ظهر النواة لفرط بخلهم
54. ( أم ) بل ( يحسدون الناس ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( على ما آتاهم الله من فضله ) من النبوة وكثرة النساء أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء ( فقد آتينا آل إبراهيم ) جده كموسى وداود وسليمان ( الكتاب والحكمة ) والنبوة ( وآتيناهم ملكاً عظيماً ) فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حرة وسرية
55. ( فمنهم من آمن به ) بمحمد صلى الله عليه وسلم ( ومنهم من صد ) أعرض ( عنه ) فلم يؤمن ( وكفى بجهنم سعيرا ) عذاباً لمن لا يؤمن
56. ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ) تدخلهم ( نارا ) يحترقون فيها ( كلما نضجت ) فيها احترقت ( جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) بأن تعاد إلى حالها الأول غير محترقة ( ليذوقوا العذاب ) ليقاسوا شدته ( إن الله كان عزيزا ) لا يعجزه شيء ( حكيما) في خلقه
57. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة ) من الحيض وكل قذر ( وندخلهم ظلاً ظليلاً ) دائما لا تنسخه شمس وهو ظل الجنة
58. ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات ) أي ما ائتمن عليه من الحقوق ( إلى أهلها ) نزلت لما أخذ عليٌّ رضي الله عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة الحجبي سادنها قسرا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ومنعه وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده إليه وقال: هاك خالدة تالدة. فعجب من ذلك فقرأ له عليٌّ الآية فأسلم وأعطاه عند موته لأخيه شيبة فبقي في ولده ، والآية وإن وردت على سبب خاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع ( وإذا حكمتم بين الناس) يأمركم ( أن تحكموا بالعدل إن الله نعمَّا ) فيه إدغام ميم نعمَ في ما النكرة الموصوفة أي نعم شيئاً ( يعظكم به ) تأدية الأمانة والحكم بالعدل ( إن الله كان سميعا ) لما يقال ( بصيرا ) بما يفعل
59. ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ) وأصحاب ( الأمر ) أو الولاة ( منكم ) إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله ( فإن تنازعتم ) اختلفتم ( في شيء فردوه إلى الله ) أي إلى كتابه ( والرسول ) مدة حياته وبعده إلى سنته أي اكشفوا عليه منهما ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك ) أي الرد إليهما ( خير ) لكم من التنازع والقول بالرأي (وأحسن تأويلا ) مآلا
60. ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرض المنافق ، وأتيا عمر فذكر اليهودي ذلك فقال للمنافق أكذلك قال نعم فقتله ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) الكثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف ( وقد أمروا أن يكفروا به ) ولا يوالوه ( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) عن الحق
61. ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ) في القرآن من الحكم ( وإلى الرسول ) ليحكم بينكم ( رأيت المنافقين يصدون) يعرضون ( عنك ) إلى غيرك ( صدودا )
62. ( فكيف ) يصنعون ( إذا أصابتهم مصيبة ) عقوبة ( بما قدمت أيديهم ) من الكفر والمعاصي أي أيقدرون على الإعراض والفرار منها لا ( ثم جاؤوك ) معطوف على يصدون ( يحلفون بالله إن ) ما ( أردنا ) بالمحاكمة إلى غيرك ( إلا إحسانا ) صلحا (وتوفيقا ) تأليفا بين الخصمين بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرِّ الحق
63. ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ) من النفاق وكذبهم في عذرهم ( فأعرضْ عنهم ) بالصفح ( وعظهم ) خوفهم الله ( وقل لهم في ) شأن ( أنفسهم قولا بليغا ) مؤثرا فيهم ، أي ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم
64. ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع ) فيما يأمر به ويحكم ( بإذن الله ) بأمره لا ليعصى ويخالف ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) بتحاكمهم إلى الطاغوت ( جاؤوك ) تائبين ( فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ) فيه التفات عن الخطاب تفخيما لشأنه (لوجدوا الله توابا ) عليهم ( رحيما ) بهم
65. ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر ) اختلط ( بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ) ضيقا أو شكا ( مما قضيت ) به ( ويسلموا ) ينقادوا لحكمك ( تسليما ) من غير معارضة
66. ( ولو أنا كتبنا عليهم أن ) مفسرة ( اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ) كما كتبنا على بني إسرائيل ( ما فعلوه ) أي المكتوب عليهم ( إلا قليلٌ ) بالرفع على البدل والنصب على الاستثناء ( منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ( لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) تحقيقا لإيمانهم
67. ( وإذاً ) أي لو تثبتوا ( لآتيناهم من لدنا ) من عندنا ( أجرا عظيما ) هو الجنة
68. ( ولهديناهم صراطا مستقيما ) قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف نراك في الجنة وأنت في الدرجات العلى ونحن أسفل منك فنزل
69. ( ومن يطع الله والرسول ) فيما أمر به ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ) أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق ( والشهداء ) القتلى في سبيل الله ( والصالحين ) غير من ذكر ( وحسن أولئك رفيقا ) رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم
70. ( ذلك ) أي كونهم مع من ذكر مبتدأ خبره ( الفضل من الله ) تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعاتهم ( وكفى بالله عليما ) بثواب الآخرة ، أي فثقوا بما أخبركم به { ولا ينبئك مثل خبير }
71. ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) من عدوكم ، أي احترزوا منه وتيقظوا له ( فانفروا ) انهضوا إلى قتاله ( ثبات ) متفرقين سرية بعد أخرى ( أو انفروا جميعا ) مجتمعين
72. ( وإن منكم لمن ليبطئن ) ليتأخرن عن القتال كعبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وجعله منهم من حيث الظاهر واللام في الفعل للقسم ( فإن أصابتكم مصيبة ) كقتل وهزيمة ( قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ) حاضراً فأصاب
73. ( ولئن ) لام قسم ( أصابكم فضل من الله ) كفتح وغنيمة ( ليقولَّن ) نادماً ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنه ( لم تكن ) بالياء والتاء ( بينكم وبينه مودة ) معرفة وصداقة وهذا راجع إلى قوله قد أنعم الله علي اعترض به بين القول ومقوله وهو ( يا ) للتنبيه ( ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ) آخذ حظا وافرا من الغنيمة
74. قال تعالى: ( فليقاتل في سبيل الله ) لإعلاء دينه ( الذين يشرون ) يبيعون ( الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل ) يستشهد ( أو يغلب ) يظفر بعدوه ( فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) ثوابا جزيلا
75. ( وما لكم لا تقاتلون ) استفهام توبيخ ، أي لا مانع لكم من القتال ( في سبيل الله و ) في تخليص ( المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم ، قال ابن عباس رضي الله عنه: كنت أنا وأمي منهم. (الذين يقولون ) داعين يا ( ربنا أخرجنا من هذه القرية ) مكة ( الظالم أهلها ) بالكفر ( واجعل لنا من لدنك ) من عندك ( وليا ) يتولى أمورنا ( واجعل لنا من لدنك نصيرا ) يمنعنا منهم ، وقد استجاب الله دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة وولَّى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم
76. ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ) الشيطان ( فقاتلوا أولياء الشيطان ) أنصار دينه تغلبوهم لقوتكم بالله ( إن كيد الشيطان ) بالمؤمنين ( كان ضعيفا ) واهيا لا يقاوم كيد الله بالكافرين
77. ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ) عن قتال الكفار لما طلبوه بمكة لأذى الكفار لهم وهم جماعة من الصحابة (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب ) فرض ( عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون ) يخافون ( الناس ) الكفار أي عذابهم بالقتل (كخشية ) هم عذاب ( الله أو أشد خشية ) من خشيتهم له ، ونصب أشد على الحال وجواب ( لما ) دل عليه إذا وما بعدها أي فاجأتهم الخشية ( وقالوا ) جزعا من الموت ( ربنا لم كتبت علينا القتال لولا ) هلا ( أخرتنا إلى أجل قريب قل ) لهم ( متاع الدنيا ) ما يتمتع به فيها أو الاستمتاع بها ( قليل ) آيل إلى الفناء ( والآخرة ) أي الجنة ( خير لمن اتقى ) عقاب الله بترك معصيته ( ولا تظلمون ) بالتاء والياء ، تنقصون من أعمالكم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة فجاهدوا
78. ( أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج ) حصون ( مشيدة ) مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت ( وإن تصبهم ) أي اليهود ( حسنة ) خصب وسعة ( يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة ) جدب وبلاء كما حصل لهم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ( يقولوا هذه من عندك ) يا محمد أي بشؤمك ( قل ) لهم ( كل ) من الحسنة والسيئة ( من عند الله ) من قبله ( فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون ) أي يقاربون أن يفهموا ( حديثا ) يلقى إليهم ، وما استفهام تعجيب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه
79. ( ما أصابك ) أيها الإنسان ( من حسنة ) خير ( فمن الله ) أتتك فضلاً منه ( وما أصابك من سيئة ) بلية ( فمن نفسك ) أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب ( وأرسلناك ) يا محمد ( للناس رسولا ) حال مؤكدة ( وكفى بالله شهيدا ) على رسالتك
80. ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى ) أعرض عن طاعتك فلا يهمنك ( فما أرسلناك عليهم حفيظا ) حافظا لأعمالهم بل نذيرا وإلينا أمرهم فنجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال
81. ( ويقولون ) أي المنافقون إذا جاؤوك أمرنا ( طاعة ) لك ( فإذا برزوا ) خرجوا ( من عندك بَيَّتْ طائفة منهم ) بإدغام التاء في الطاء وتركه أي أضمرت ( غير الذي تقول ) لك في حضورك من الطاعة أي عصيانك ( والله يكتب ) يأمر بكتب ( ما يبيتون ) في صحائفهم ليجازوا عليه ( فأعرض عنهم ) بالصفح ( وتوكل على الله ) ثق به فإنه كافيك ( وكفى بالله وكيلا ) مفوضا إليه
82. ( أفلا يتدبرون ) يتأملون ( القرآن ) وما فيه من المعاني البديعة ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) تناقضا في معانيه وتباين في نظمه
83. ( وإذا جاءهم أمر ) عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل لهم ( من الأمن ) بالنصر ( أو الخوف ) بالهزيمة (أذاعوا به ) أفشوه نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي ( ولو ردوه ) أي الخبر ( إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ) أي ذوي الرأي من أكابر الصحابة ، أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به ( لعلمه ) هل هو مما ينبغي أي يذاع أو لا ( الذين يستنبطونه ) يتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون ( منهم ) من الرسول وأولي الأمر ( ولولا فضل الله عليكم ) بالإسلام ( ورحمته ) لكم بالقرآن ( لاتبعتم الشيطان ) فيما يأمركم به من الفواحش ( إلا قليلا )
84. ( فقاتل ) يا محمد ( في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) فلا تهتم بتخلفهم عنك ، المعنى: قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر ( وحرض المؤمنين ) حثهم على القتال ورغبهم فيه ( عسى الله أن يكف بأس ) حرب ( الذين كفروا والله أشد بأسا ) منهم ( وأشد تنكيلا ) تعذيبا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي »فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم ومنع أبي سفيان عن الخروج كما تقدم في آل عمران
85. ( من يشفع ) بين الناس ( شفاعة حسنة ) موافقة للشرع ( يكن له نصيب ) من الأجر ( منها ) بسببها ( ومن يشفع شفاعة سيئة ) مخالفة له ( يكن له كفل ) نصيب من الوزر ( منها ) بسببها ( وكان الله على كل شيء مقيتا ) مقتدرا فيجازي كل أحد بما عمل
86. ( وإذا حييتم بتحية ) كأن قيل لكم سلام عليكم ( فحيوا ) المحيي ( بأحسن منها ) بأن تقولوا له: عليك السلام ورحمة الله وبركاته ( أو ردوها ) بأن تقولوا له كما قال أي الواجب أحدهما والأول أفضل ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) محاسبا فيجازي عليه ومنه رد السلام ، وخصت السنة الكافر والمبتدع والفاسق والمُسَلِّم على قاضي الحاجة ومن في الحمام والآكل فلا يجب الرد عليهم بل يكره في غير الأخير ويقال للكافر: وعليك
87. ( الله لا إله إلا هو ) والله ( ليجمعنكم ) من قبوركم ( إلى ) في ( يوم القيامة لا ريب ) لا شك ( فيه ومن ) أي لا أحد ( أصدق من الله حديثا ) قولا
88. ولما رجع ناس من أحد اختلف الناس فيهم فقال فريق نقتلهم وقال فريق لا فنزل ( فما لكم ) شأنكم صرتم ( في المنافقين فئتين ) فرقتين ( والله أركسهم ) ردهم ( بما كسبوا ) من الكفر والمعاصي ( أتريدون أن تهدوا من أضلـ ) ـه ( الله ) أي تعدوهم من جملة المهتدين ، والاستفهام في الموضعين للإنكار ( ومن يضللـ ) ـه ( الله فلن تجد له سبيلا ) طريقا إلى الهدى
89. ( ودوا ) تمنوا ( لو تكفرون كما كفروا فتكونون ) أنتم وهم ( سواء ) في الكفر ( فلا تتخذوا منهم أولياء ) توالونهم وإن أظهروا الإيمان ( حتى يهاجروا في سبيل الله ) هجرة صحيحة تحقق إيمانهم ( فإن تولوا ) وأقاموا على ما هم عليه ( فخذوهم ) بالأسر ( واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ) توالونه ( ولا نصيرا ) تنتصرون به على عدوكم
90. ( إلا الذين يصلون ) يلجؤون ( إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي ( أو ) الذين ( جاؤوكم ) وقد ( حصرت ) ضاقت ( صدورهم ) عن ( أن يقاتلوكم ) مع قومهم ( أو يقاتلوا قومهم ) معكم أي ممسكين عن قتالكم فلا تتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل ، وهذا وما بعده منسوخ بآية السيف ( ولو شاء الله ) تسليطهم عليكم ( لسلطهم عليكم ) بأن يقوي قلوبهم ( فلقاتلوكم ) ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم ) الصلح أي انقادوا ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) طريقا بالأخذ والقتل
91. ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ) بإظهار الإيمان عندكم ( ويأمنوا قومهم ) بالكفر إذا رجعوا إليهم وهم أسد وغطفان ( كل ما ردوا إلى ) دعوا إلى الشرك ( الفتنة أركسوا ) وقعوا أشد وقوع ( فيها فإن لم يعتزلوكم ) بترك قتالكم ( و ) لم ( يلقوا إليكم السلم و ) لم ( يكفوا ) عنكم ( أيديهم ) بالأسر ( فخذوهم واقتلوهم حيث ) وجدتموهم ( ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا) برهانا بينا ظاهرا على قتلهم وسبيهم لغدرهم
92. ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ) أي ما ينبغي أن يصدر منه قتل له ( إلا خطأ ) مخطئا في قتله من غير قصد ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) بأن قصد رمي غيره كصيد أو شجرة فأصابه أو ضربه بما لا يقتل غالبا ( فتحرير ) عتق ( رقبة ) نسمة ( مؤمنة ) عليه ( ودية مسلمة ) مؤداة ( إلى أهله ) أي ورثة المقتول ( إلا أن يصدقوا ) يتصدقوا عليه بها بأن يعفوا عنها ، وبينت السنة أنها مئة من الإبل عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون وبنو لبون وحقاق وجذاع وأنها على عاقلة القاتل وهم عصبته في الأصل والفرع موزعة عليهم على ثلاث سنين على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني ( فإن كان ) المقتول ( من قوم عدو ) حرب ( لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) على قاتله كفارة ولا دية تسلم إلى أهله لحرابتهم ( وإن كان ) المقتول ( من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد كأهل الذمة ( فدية ) له ( مسلمة إلى أهله ) وهي ثلث دية المؤمن إن كان يهوديا أو نصرانيا وثلثا عشرها إن كان مجوسيا ( وتحرير رقبة مؤمنة ) على قاتله ( فمن لم يجد ) الرقبة بأن فقدها وما يحصلها به ( فصيام شهرين متتابعين ) عليه كفارة ، ولم يذكر الله تعالى الانتقال إلى الطعام كالظهار وبه أخذ الشافعي في أصح قوليه ( توبة من الله ) مصدر منصوب بفعله المقدر ( وكان الله عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم
93. ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) بأن يقصد قتله بما يقتل غالبا بإيمانه ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه ) أبعده من رحمته ( وأعد له عذابا عظيما ) في النار وهذا مؤول بمن يستحله أو بأن هذا جزاؤه إن جوزي ، ولا بدع في خلف الوعيد لقوله { ويغفر ما دون ذلك لم يشاء } وعلى ابن عباس أنها على ظاهرها وأنها ناسخة لغيرها من آيات المغفرة وبينت آية البقرة أن قاتل العمد يقتل به وأن عليه الدية إن عفي عنه وسبق قدَرُها ، وبينت السنة أن بين العمد والخطأ قتلا يسمى شبه العمد وهو أن يقتله بما لا يقتل غالبا فلا قصاص فيه بل دية كالعمد في الصفة والخطأ في التأجيل والحمل وهو والعمد أولى بالكفارة من الخطأ
94. ونزل لما مر نفر من الصحابة برجل من بني سليم وهو يسوق غنما فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا تقية ، فقتلوه واستاقوا غنمه ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم ) سافرتم للجهاد ( في سبيل الله فتبينوا ) وفي قراءة { فتثبتوا } في الموضعين ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ) بألف أو دونها أي التحية أو الانقياد بكلمة الشهادة التي هي أمارة على الإسلام ( لست مؤمنا ) وأنما قلت هذا تقية لنفسك ومالك فتقتلوه ( تبتغون ) تطلبون لذلك ( عرض الحياة الدنيا ) متاعها من الغنيمة (فعند الله مغانم كثيرة ) تغنيكم عن قتل مثله لماله ( كذلك كنتم من قبل ) تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرد قولكم الشهادة (فمن الله عليكم ) بالاشتهار بالإيمان والاستقامة ( فتبينوا ) أن تقتلوا مؤمنا وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فعل بكم ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
95. ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن الجهاد ( غير أولي الضرر ) بالرفع صفة والنصب استثناء من زمانة أو عمى ونحوه (والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين ) لضرر ( درجة ) فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهدين بالمباشرة ( وكلا ) من الفريقين ( وعد الله الحسنى ) الجنة ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين ) لغير ضرر ( أجرا عظيما )
96. ( درجات منه ) منازل بعضها فوق بعض من الكرامة ( ومغفرة ورحمة ) منصوبان بفعلهما المقدر ( وكان الله غفورا ) لأوليائه (رحيما ) بأهل طاعته ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فقتلوا يوم بدر مع الكفار
97. ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) بالمقام مع الكفار وترك الهجرة ( قالوا ) لهم موبخين ( فيم كنتم ) أي شيء كنتم في أمر دينكم ( قالوا ) معتذرين ( كنا مستضعفين ) عاجزين عن إقامة الدين ( في الأرض ) أرض مكة ( قالوا ) لهم توبيخا (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) من أرض الكفر إلى بلد آخر كما فعل غيركم قال الله تعالى ( فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) هي
98. ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) الذين ( لا يستطيعون حيلة ) لا قوة لهم على الهجرة ولا نفقة ( ولا يهتدون سبيلا ) طريقا إلى أرض الهجرة
99. ( فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا )
100. ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ) مهاجرا ( كثيرا وسعة ) في الرزق ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت ) في الطريق كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي ( فقد وقع ) ثبت ( أجره على الله وكان الله غفورا رحيما )
101. ( وإذا ضربتم ) سافرتم ( في الأرض فليس عليكم جناح ) في ( أن تقصروا من الصلاة ) بأن تردوها من أربع إلى اثنتين ( إن خفتم أن يفتنكم ) أي ينالكم بمكروه ( الذين كفروا ) بيان للواقع ، وبينت السنة أن المراد بالسفر الطويل وهو أربعة برد وهي مرحلتان ويؤخذ من قوله { فليس عليكم جناح } أنه رخصة لا واجب وعليه الشافعي ( إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) بيني العداوة
102. ( وإذا كنت ) يا محمد حاضرا ( فيهم ) وأنتم تخافون العدو ( فأقمت لهم الصلاة ) وهذا جري على عادة القرآن في الخطاب ( فلتقم طائفة منهم معك ) وتتأخر طائفة ( وليأخذوا ) أي الطائفة التي قامت معك ( أسلحتهم ) معهم ( فإذا سجدوا ) أي صلوا ( فليكونوا ) أي الطائفة الأخرى ( من ورائكم ) يحرسون إلى أن تقضوا الصلاة وتذهب هذه الطائفة تحرس ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) معهم إلى أن تقضوا الصلاة ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ببطن نخل رواه الشيخان ( ود الذين كفروا لو تغفلون ) إذا قمتم إلى الصلاة ( عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذا علة الأمر بأخذ السلاح ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ) فلا تحملوها وهذا يفيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولين للشافعي والثاني أنه سنة ورجح ( وخذوا حذركم ) من العدو أي احتزروا منه ما استطعتم ( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) ذا إهانة
103. ( فإذا قضيتم الصلاة ) فرغتم منها ( فاذكروا الله ) بالتهليل والتسبيح ( قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) مضطجعين أي في كل حال ( فإذا اطمأننتم ) أمنتم ( فأقيموا الصلاة ) أدوها بحقوقها ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا ) مكتوبا أي مفروضا ( موقوتا ) أي مقدرا وقتها فلا تؤخر عنه ونزل لما بعث صلى الله عليه وسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات
104. ( ولا تهنوا ) تضعفوا ( في ابتغاء ) طلب ( القوم ) الكفار لتقاتلوهم ( إن تكونوا تألمون ) تجدون ألم الجراح ( فإنهم يألمون كما تألمون ) أي مثلكم ولا يجبنون على قتالكم ( وترجون ) أنتم ( من الله ) من النصر والثواب عليه ( ما لا يرجون ) هم فأنتم تزيدون عليهم بذلك فينبغي أن تكونوا أرغب منهم فيه ( وكان الله عليما ) بكل شيء ( حكيما ) في صنعه
105. وسرق طعمة بن أبيرق درعاً وخبأها عند يهودي فوجدت عنده فرماه طعمة بها وحلف أنه ما سرقها فسأل قومه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجادل عنه ويبرئه فنزل ( إنا أنزلنا إليك الكتاب ) القرآن ( بالحق ) متعلق بأنزل ( لتحكم بين الناس بما أراك) أعلمك ( الله ) فيه ( ولا تكن للخائنين ) كطعمة ( خصيما ) مخاصما عنهم
106. ( واستغفر الله ) مما هممت به ( إن الله كان غفورا رحيما )
107. ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) يخونونها بالمعاصي لأن وبال خيانتهم عليهم ( إن الله لا يحب من كان خوانا ) كثير الخيانة ( أثيما ) أي يعاقبه
108. ( يستخفون ) أي طعمة وقومه حياء ( من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ) بعلمه ( إذ يبيتون ) يضمرون ( ما لا يرضى من القول ) من عزمهم على الحلف على نفي السرقة ورمي اليهودي بها ( وكان الله بما يعملون محيطا ) علما
109. ( ها أنتم ) يا ( هؤلاء ) خطاب لقوم طعمة ( جادلتم ) خاصمتم ( عنهم ) أي عن طعمة وذويه وقرئ { عنه } ( في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ) إذا عذبهم ( أم من يكون عليهم وكيلا ) يتولى أمرهم ويذب عنهم أي لا أحد يفعل ذلك
110. ( ومن يعمل سوء ) ذنبا يسوء به غيره كرمي طعمة اليهودي ( أو يظلم نفسه ) يعمل ذنبا قاصرا عليه ( ثم يستغفر الله ) منه أي يتب ( يجد الله غفورا ) له ( رحيما ) به
111. ( ومن يكسب إثما ) ذنبا ( فإنما يكسبه على نفسه ) لأن وباله عليها ولا يضر غيره ( وكان الله عليما حكيما ) في صنعه
112. ( ومن يكسب خطيئة ) ذنبا صغيرا ( أو إثما ) ذنبا كبيرا ( ثم يرم به بريئا ) منه ( فقد احتمل ) تحمل ( بهتانا ) برميه ( وإثما مبينا ) بينا يكسبه
113. ( ولولا فضل الله عليك ) يا محمد ( ورحمته ) بالعصمة ( لهمت ) أضمرت ( طائفة منهم ) من قوم طعمة ( أن يضلوك ) عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك ( وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) لأن وبال إضلالهم عليهم ( وأنزل الله عليك الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) ما فيه من الأحكام ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) من الأحكام والغيب ( وكان فضل الله عليك ) بذلك وغيره ( عظيما )
114. ( لا خير في كثير من نجواهم ) أي الناس أي ما يتناجون فيه ويتحدثون ( إلا ) نجوى ( من أمر بصدقة أو معروف ) عمل بر ( أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ) المذكور ( ابتغاء ) طلب ( مرضات الله ) لا غيره من أمور الدنيا ( فسوف نؤتيه ) بالنون والياء أي الله ( أجرا عظيما )
115. ( ومن يشاقق ) يخالف ( الرسول ) فيما جاء به من الحق ( من بعد ما تبين له الهدى ) ظهر له الحق بالمعجزات ( ويتبع ) طريقا ( غير سبيل المؤمنين ) أي طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يكفر ( نوله ما تولى ) نجعله واليا لما تولاه من الضلال بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا ( ونصله ) ندخله في الآخرة ( جهنم ) فيحترق فيها ( وساءت مصيرا ) مرجعا هي
116. ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) عن الحق
117. ( إن ) ما ( يدعون ) يعبد المشركون ( من دونه ) أي الله ، أي غيره ( إلا إناثا ) أصناما مؤنثه كاللات والعزى ومناة ( وإن ) ما ( يدعون ) يعبدون بعبادتها ( إلا شيطانا مريدا ) خارجا عن الطاعة لطاعتهم له فيها وهو إبليس
118. ( لعنه الله ) أبعده عن رحمته ( وقال ) أي الشيطان ( لأتخذن ) لأجعلن لي ( من عبادك نصيبا مفروضا ) مقطوعا أدعوهم إلى طاعتي
119. ( ولأضلنهم ) عن الحق بالوسوسة ( ولأمنينهم ) ألقي في قلوبهم طول الحياة أن لا بعث ولا حساب ( ولآمرنهم فليبتِّكن ) يقطعن ( آذان الأنعام ) وقد فعل ذلك بالبحائر ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) دينه بالكفر وإحلال ما حرم الله وتحريم ما أحل ( ومن يتخذ الشيطان وليا ) يتولاه ويطيعه ( من دون الله ) أي غيره ( فقد خسر خسرانا مبينا ) بيناً لمصيره إلى النار المؤبدة عليه
120. ( يعدهم ) طول العمر ( ويمنيهم ) نيل الآمال في الدنيا وأن لا بعث ولا جزاء ( وما يعدهم الشيطان ) بذلك ( إلا غرورا ) باطلا
121. ( أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ) معدلا
122. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ) أي وعدهم الله ذلك وحقه حقا ( ومن ) أي لا أحد ( أصدق من الله قيلا ) أي قولا
123. ونزل لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب ( ليس ) الأمر منوطا ( بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) بل بالعمل الصالح ( من يعمل سوء يجز به ) إما في الآخرة أو الدنيا بالبلاء والمحن كما ورد في الحديث ( ولا يجد له من دون الله ) أي غيره ( وليا) يحفظه ( ولا نصيرا ) يمنعه منه
124. ( ومن يعمل ) شيئا ( من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون ) بالبناء للمفعول والفاعل ( الجنة ولا يظلمون نقيرا ) قدر نقرة النواة
125. ( ومن ) أي لا أحد ( أحسن دينا ممن أسلم وجهه ) أي انقاد واخلص عمله ( لله وهو محسن ) موحد ( واتبع ملة إبراهيم ) الموافقة لملة الإسلام ( حنيفا ) حال أي مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) صفيا خالص المحبة له
126. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( وكان الله بكل شيء محيطا ) علما وقدرة أي لم يزل متصفا بذلك
127. ( ويستفتونك ) يطلبون منك الفتوى ( في ) شأن ( النساء ) وميراثهن ( قل ) لهم ( الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ) القرآن من آية الميراث ويفتيكم أيضا ( في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب ) فرض ( لهن ) من الميراث (وترغبون ) أيها الأولياءعن ( أن تنكحوهن ) لدمامتهن وتعضلوهن أن يتزوجن طمعا في ميراثهن أي يفتيكم أن لا تفعلوا ذلك وفي (والمستضعفين ) الصغار ( من الولدان ) أن تعطوهم حقوقهم ويأمركم ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) بالعدل في الميراث والمهر ( وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) فيجازيكم به
128. ( وإن امرأة ) مرفوع بفعل يفسره ( خافت ) توقعت ( من بعلها ) زوجها ( نشوزا ) ترفعا عنها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها ( أو إعراضا ) عنها بوجهه ( فلا جناح عليهما أن يصَّالحا ) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي قراءة { يُصلِحا } من أصلح ( بينهما صلحا ) في القسم والنفقة بأن تترك له شيئا طلبا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها ( والصلح خير ) من الفرقة والنشوز والإعراض قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان ( وأحضرت الأنفس الشح ) شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه ، المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها ( وإن تحسنوا ) عشرة النساء ( وتتقوا ) الجور عليهن (فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
129. ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا ) تسووا ( بين النساء ) في المحبة ( ولو حرصتم ) على ذلك ( فلا تميلوا كل الميل ) إلى التي تحبونها في القسم والنفقة ( فتذروها ) أي تتركوا الممال عنها ( كالمعلقة ) التي لا هي أيم ولا هي ذات بعل ( وإن تصلحوا ) بالعدل بالقسم ( وتتقوا ) الجور ( فإن الله كان غفورا ) لما في قلبكم من الميل ( رحيما ) بكم في ذلك
130. ( وإن يتفرقا ) أي الزوجان بالطلاق ( يغن الله كلا ) عن صاحبه ( من سعته ) أي فضله بأن يرزقها زوجا غيره ويرزقه غيرها ( وكان الله واسعا ) لخلقه في الفضل ( حكيما ) فيما دبر لهم
131. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب ) بمعنى الكتب ( من قبلكم ) أي اليهود والنصارى ( وإياكم ) يا أهل القرآن ( أن ) أي بأن ( اتقوا الله ) خافوا عقابه بأن تطيعوه ( و ) قلنا لهم ولكم ( إن تكفروا ) بما وصيتم به ( فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ) خلقا وملكا وعبيدا فلا يضره كفركم ( وكان الله غنيا ) عن خلقه وعبادتهم ( حميدا ) في صنعه بهم
132. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) كرره تأكيدا لتقرير موجب التقوى ( وكفى بالله وكيلا ) شهيدا بأن ما فيهما له
133. ( إن يشأ يذهبكم ) يا ( أيها الناس ويأت بآخرين ) بدلكم ( وكان الله على ذلك قديرا )
134. ( من كان يريد ) بعمله ( ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ) لمن أراده لا عند غيره فلم يطلب أحدكم الأخس وهلا طلب الأعلى باخلاص له حيث كان مطلبه لا يوجد إلا عنده ( وكان الله سميعا بصيرا )
135. ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ) قائمين ( بالقسط ) بالعدل ( شهداء ) بالحق ( لله ولو ) كانت الشهادة ( على أنفسكم ) فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق ولا تكتموه ( أو ) على ( الوالدين والأقربين إن يكن ) المشهود عليه ( غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) منكم وأعلم بمصالحهما ( فلا تتبعوا الهوى ) في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له ( أن ) لا (تعدلوا ) تميلوا عن الحق ( وإن تلووا ) تحرفوا الشهادة ، وفي قراءة { تلُوا } بحذف الواو الأولى تخفيفا ( أو تعرضوا ) عن أدائها (فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
136. ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا ) داوموا على الإيمان ( بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله ) محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن ( والكتاب الذي أنزل من قبل ) على الرسل بمعنى الكتب ، وفي قراءة بالبناء للفاعل في الفعلين ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) عن الحق
137. ( إن الذين آمنوا ) بموسى وهم اليهود ( ثم كفروا ) بعبادتهم العجل ( ثم آمنوا ) بعده ( ثم كفروا ) بعيسى ( ثم ازدادوا كفرا ) بمحمد ( لم يكن الله ليغفر لهم ) ما أقاموا عليه ( ولا ليهديهم سبيلا ) طريقا إلى الحق
138. ( بشر ) أخبر يا محمد ( المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) مؤلما هو عذاب النار
139. ( الذين ) بدل أو نعت المنافقين ( يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) لما يتوهمون فيهم من القوة ( أيبتغون ) يطلبون ( عندهم العزة ) استفهام إنكار ، أي لا يجدون عندهم ( فإن العزة لله جميعا ) في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه
140. ( وقد نَزَّل ) بالبناء للفاعل والمفعول ( عليكم في الكتاب ) القرآن في سورة الأنعام ( أن ) مخففة واسمها محذوف أي أنه ( إذا سمعتم آيات الله ) القرآن ( يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم ) أي الكافرين والمستهزئين ( حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا ) إن قعدتم معهم ( مثلهم ) في الإثم ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر والاستهزاء
141. ( الذين ) بدل من الذين قبله ( يتربصون ) ينتظرون ( بكم ) الدوائر ( فإن كان لكم فتح ) ظفر وغنيمة ( من الله قالوا) لكم ( ألم نكن معكم ) في الدين والجهاد فأعطونا من الغنيمة ( وإن كان للكافرين نصيب ) من الظفر عليكم ( قالوا ) لهم (ألم نستحوذ ) نستول ( عليكم ) ونقدر على أخذكم وقتلكم فأبقينا عليكم ( و ) ألم ( نمنعكم من المؤمنين ) أن يظفروا بكم بتخذيلهم ومراسلتكم بأخبارهم فلنا عليكم المنة ، قال تعالى ( فالله يحكم بينكم ) وبينهم ( يوم القيامة ) بأن يدخلكم الجنة ويدخلهم النار (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) طريقا بالاستئصال
142. ( إن المنافقين يخادعون الله ) بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر فيدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية ( وهو خادعهم ) مجازيهم على خداعهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة ( وإذا قاموا إلى الصلاة ) مع المؤمنين ( قاموا كسالى ) متثاقلين ( يراؤون الناس ) بصلاتهم ( ولا يذكرون الله ) يصلون ( إلا قليلا ) رياء
143. ( مذبذبين ) مترددين ( بين ذلك ) الكفر والإيمان ( لا ) منسوبين ( إلى هؤلاء ) أي الكفار ( ولا إلى هؤلاء ) أي المؤمنين ( ومن يضللـ ) ـه ( الله فلن تجد له سبيلا ) طريقا إلى الهدى
144. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم ) بموالاتهم ( سلطانا مبينا ) برهاناً بيناً على نفاقكم
145. ( إن المنافقين في الدرك ) المكان ( الأسفل من النار ) وهو قعرها ( ولن تجد لهم نصيرا ) مانعا من العذاب
146. ( إلا الذين تابوا ) من النفاق ( وأصلحوا ) عملهم ( واعتصموا ) وثقوا ( بالله وأخلصوا دينهم لله ) من الرياء ( فأولئك مع المؤمنين ) فيما يؤتونه ( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ) في الآخرة وهو الجنة
147. ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم ) نعمه ( وآمنتم ) به والاستفهام بمعنى النفي أي لا يعذبكم ( وكان الله شاكرا) لأعمال المؤمنين بالإثابة ( عليما ) بخلقه