تفسير الجلالين للقران الكريم أجزاء.. 3



تفسير الجلالين  للقران الكريم أجزاء.. 3


الجزء الثالث

253. ( تلك ) مبتدأ ( الرسل ) صفة أو خبر ( فضلنا بعضهم على بعض ) بتخصيصه بمنقبة ليست بغيره ( منهم من كلم اللهُ ) كموسى ( ورفع بعضهم ) أي محمداً صلى الله عليه وسلم ( درجات ) على غيره بعموم الدعوة وختْم النبوة وتفضيل أمته على سائر الأمم والمعجزات المتكاثرة والخصائص العديدة ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه ) قويناه ( بروح القُدُس ) جبريل يسير معه حيث سار ( ولو شاء الله ) لهدى الناس جميعا ( ما اقتتل الذين من بعدهم ) بعد الرسل أي أممهم ( من بعد ما جاءتهم البينات ) لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضا ( ولكن اختلفوا ) لمشيئته ذلك ( فمنهم من آمن ) ثبت على إيمانه ( ومنهم من كفر ) كالنصارى بعد المسيح ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) تأكيد ( ولكن الله يفعل ما يريد ) من توفيق من شاء وخذلان من شاء
254. ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم ) زكاته ( من قبل أن يأتي يوم لا بيعَ ) فداء ( فيه ولا خُلَّةَ ) صداقة تنفع ( ولا شفاعةَ ) بغير إذنه وهو يوم القيامة ، وفي قراءة برفع الثلاثة ( والكافرون ) بالله أو بما فرض عليهم ( هم الظالمون ) لوضعهم أمر الله في غير محله
255. ( الله لا إله ) أي لا معبود بحق في الوجود ( إلا هو الحي ) الدائم بالبقاء ( القيوم ) المبالغ في القيام بتدبير خلقه ( لا تأخذه سِنةٌ ) نعاس ( ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( من ذا الذي ) أي لا أحد ( يشفع عنده إلا بإذنه ) له فيها ( يعلم ما بين أيديهم ) أي الخلق ( وما خلفهم ) أي من أمر الدنيا والآخرة ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) أي لا يعلمون شيئا من معلوماته ( إلا بما شاء ) أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل ( وسع كرسيه السماواتِ والأرضَ) قيل أحاط علمه بهما وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته ، لحديث: « ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس » . ( ولا يؤوده ) يثقله ( حفظهما ) أي السماوات والأرض ( وهو العلي ) فوق خلقه بالقهر ( العظيم ) الكبير
256. ( لا إكراه في الدين ) على الدخول فيه ( قد تبين الرشد من الغي ) أي ظهر بالآيات البينات أن الإيمان رشد والكفر غي نزلت فيمن كان له من الأنصار أولاد أراد أن يكرههم على الإسلام ( فمن يكفر بالطاغوت ) الشيطان أو الأصنام وهو يطلق على المفرد والجمع ( ويؤمن بالله فقد استمسك ) تمسك ( بالعروة الوثقى ) بالعقد المحكم ( لا انفصام ) انقطاع ( لها والله سميع ) بما يقال ( عليم ) بما يفعل
257. ( الله ولي ) ناصر ( الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) ذكر الإخراج إما في مقابلة قوله { يخرجهم من الظلمات } أو في كل من أمن بالنبي قبل بعثته من اليهود ثم كفر به ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
258. ( ألم تر إلى الذي حاجَّ ) جادل ( إبراهيم في ربه ) لـ ( أن آتاه الله الملك ) أي حمله بطره بنعمة الله على ذلك وهو نمرود ( إذ ) بدل من حاجَّ ( قال إبراهيم ) لما قال له من ربك الذي تدعونا إليه ، ( ربيَّ الذي يحيي ويميت ) أي يخلق الحياة والموت في الأجساد ( قال ) هو ( أنا أحيي وأميت ) بالقتل والعفو عنه ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر ، فلما رآه غبياً ( قال إبراهيم ) منتقلا إلى حجة أوضح منها ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها ) أنت ( من المغرب فبهت الذي كفر ) تحير ودهش ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) بالكفر إلى محجة الاحتجاج
259. ( أو ) رأيت ( كالذي ) الكاف زائدة ( مر على قرية ) هي بيت المقدس راكبا على حمار ومعه سلة تين وقدح عصير وهو عزير ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) سقوطها لما خربها بُخْتُنَصَّر ( قال أنى ) كيف ( يحيي هذه الله بعد موتها ) استعظاماً لقدرته تعالى ( فأماته الله ) وألبثه ( مائة عام ثم بعثه ) أحياه ليريه كيفية ذلك ( قال ) تعالى له ( كم لبثت ) مكثت هنا ( قال لبثت يوماً أو بعض يوم ) لأنه نام أول النهار فقبض وأُحيي عند الغروب فظن أنه يوم النوم ( قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك ) التين ( وشرابك ) العصير ( لم يتسنَّه ) لم يتغير مع طول الزمان ، والهاء قيل أصل من سانهت وقيل للسكت من سانيت وفي قراءة بحذفها ( وانظر إلى حمارك ) كيف هو فرآه ميتا وعظامه بيض تلوح! فعلنا ذلك لتعلم ( ولنجعلك آية ) على البعث ( للناس وانظر إلى العظام ) من حمارك ( كيف نُنشزها ) نحييها بضم النون وقرئ بفتحها من أنشز ونشز لغتان وفي قراءة { ننشرها } بالراء نحركها ونرفعها ( ثم نكسوها لحماً ) فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخ فيه الروح ونهق ( فلما تبين له ) ذلك بالمشاهدة ( قال أعلم ) علم مشاهدة ( أن الله على كل شيء قدير ) وفي قراءة { اعْلَمْ } أمر من الله له
260. ( و ) اذكر ( إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال ) تعالى له ( أولم تؤمن ) بقدرتي على الإحياء ، سأله مع علمه بإيمانه بذلك ليجيبه بما أجاب فيعلم السامعون غرضه ( قال بلى ) آمنت ( ولكن ) سألتك ( ليطمئن ) يسكن ( قلبي) بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال ( قال فخذ أربعة من الطير فصِرهن إليك ) بكسر الصاد وضمها ، أملهن إليك وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن ( ثم اجعل على كل جبل ) من جبال أرضك ( منهن جزءاً ثم ادعهن ) إليك ( يأتينك سعيا ) سريعا ( واعلم أن الله عزيز ) لا يعجزه شيء ( حكيم ) في صنعه فأخذ طاووسا ونسرا وغرابا وديكا وفعل بهن ما ذكر وأمسك رؤوسهن عنده ودعاهن فتطايرت الأجزاء إلى بعضها حتى تكاملت ثم أقبلت إلى رؤوسها
261. ( مثل ) صفة نفقات ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) أي طاعته ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) فكذلك نفقاتهم تضاعفت لسبعمائة ضعف ( والله يضاعف ) أكثر من ذلك ( لمن يشاء والله واسع ) فضله ( عليم ) بمن يستحق المضاعفة
262. ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّا ) على المنفق عليه بقولهم مثلا: قد أحسنت إليه وجبرت حاله ( ولا أذى ) له بذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه ونحوه ( لهم أجرهم ) ثواب إنفاقهم ( عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
263. ( قول معروف ) كلام حسن ورد على السائل جميل ( ومغفرة ) له في إلحاحه ( خير من صدقة يتبعها أذى ) بالمن وتعيير له بالسؤال ( والله غني ) عن صدقة العباد ( حليم ) بتأخير العقوبة عن المان والمؤذي
264. ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم ) أي أجورها ( بالمن والأذى ) إبطالاً ( كالذي ) أي كإبطال نفقة الذي ( ينفق ماله رئاء الناس ) مرائياً لهم ( ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) هو المنافق ( فمثله كمثل صفوان ) حجر أملس ( عليه تراب فأصابه وابل ) مطر شديد ( فتركه صلداً ) صلباً أملس لا شيء عليه ( لا يقدرون ) استئناف لبيان مثل المنافق المنفق رئاء الناس وجمع الضمير باعتبار معنى الذي ( على شيء مما كسبوا ) عملوا أي لا يجدون له ثوابا في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شيء من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له ( والله لا يهدي القوم الكافرين )
265. ( ومثل ) نفقات ( الذين ينفقون أموالهم ابتغاء ) طلب ( مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم ) أي تحقيقا للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لإنكارهم له ومن ابتدائية ( كمثل جنة ) بستان ( برُبوة ) بضم الراء وفتحها مكان مرتفع مستو (أصابها وابل ) [ مطر غزير ] ( فآتت ) أعطت ( أكْلها ) بضم الكاف وسكونها ثمرها ( ضعفين ) مثلي ما يثمر غيرها ( فإن لم يصبها وابل فطلٌّ ) مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها ، المعنى: تثمر وتزكو كثر المطر أم قل فكذلك نفقات من ذكر تزكو عند الله كثرت أم قلت ( والله بما تعملون بصير ) فيجازيكم به
266. ( أيود ) أيحب ( أحدكم أن تكون له جنة ) بستان ( من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها ) ثمر ( من كل الثمرات و ) قد ( أصابه الكبر ) فضعف من الكبر عن الكسب ( وله ذرية ضعفاء ) أولاد صغار لا يقدرون عليه ( فأصابها إعصار ) ريح شديدة ( فيه نار فاحترقت ) ففقدها أحوج ما كان إليها وبقي هو وأولاده عجزة متحيرين لا حيلة لهم وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمان في ذهابها وعدم نفعها أحوج ما يكون إليها في الآخرة والاستفهام بمعنى النفي ، وعن ابن عباس هو الرجل عمل بالطاعات ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله ( كذلك ) كما بين ما ذكر ( يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) فتعتبرون
267. ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا ) أي زكوا ( من طيبات ) جياد ( ما كسبتم ) من المال ( ومـ ) ـن طيبات ( ما أخرجنا لكم من الأرض ) من الحبوب والثمار ( ولا تيمموا ) تقصدوا ( الخبيث ) الرديء ( منه ) أي المذكور ( تنفقونـ ) ـه في الزكاة ، حال من ضمير تيمموا ( ولستم بآخذيه ) أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم ( إلا أن تغمضوا فيه ) بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله ( واعلموا أن الله غني ) عن نفقاتكم ( حميد ) محمود على كل حال
268. ( الشيطان يعدكم الفقر ) يخوفكم به إن تصدقتم فتمسكوا ( ويأمركم بالفحشاء ) البخل ومنع الزكاة ( والله يعدكم ) على الإنفاق ( مغفرة منه ) لذنوبكم ( وفضلا ) رزقا خلفا منه ( والله واسع ) فضله ( عليم ) بالمنفق
269. ( يؤتي الحكمة ) أي العلم النافع المؤدي إلى العمل ( من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) لمصيره إلى السعادة الأبدية ( وما يذَّكر ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ ( إلا أولوا الألباب ) أصحاب العقول
270. ( وما أنفقتم من نفقة ) أديتم من زكاة أو صدقة ( أو نذرتم من نذر ) فوفيتم به ( فإن الله يعلمه ) فيجازيكم عليه ( وما للظالمين ) بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله ( من أنصار ) مانعين لهم من عذابه
271. ( إن تبدوا ) تظهروا ( الصدقات ) أي النوافل ( فنعمَّا هي ) أي نعم شيئا إبداؤها ( وإن تخفوها ) تسروها ( وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) من إبدائها وإيتائها الأغنياء أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ليقتدى به ولئلا يتهم وإيتاؤها الفقراء متعين ( ويُكَفِّرْ ) بالياء والنون مجزوما بالعطف على محل فهو ومرفوعا على الاستئناف ( عنكم من ) بعض ( سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) عالم بباطنه كظاهره لا يخفى عليه شيء منه
272. ولما منع صلى الله عليه وسلم من التصدق على المشركين ليسلموا نزل: ( ليس عليك هداهم ) أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ ( ولكن الله يهدي من يشاء ) هدايته إلى الدخول فيه ( وما تنفقوا من خير ) مال ( فلأنفسكم ) لأن ثوابه لها ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) أي ثوابه لا غيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) جزاؤه ( وأنتم لا تظلمون ) تنقصون منه شيئا والجملتان تأكيد للأولى
273. ( للفقراء ) خبر مبتدأ محذوف أي الصدقات ( الذين أحصروا في سبيل الله ) أي حبسوا أنفسهم على الجهاد ، نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا ( لا يستطيعون ضربا ) سفراً ( في الأرض ) للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد ( يحسبهم الجاهل ) بحالهم ( أغنياء من التعفف ) أي لتعففهم عن السؤال وتركه ( تعرفهم ) يا مخاطب ( بسيماهم ) علامتهم من التواضع وأثر الجهد ( لا يسألون الناس ) شيئاً فيلحفون ( إلحافا ) أي لا سؤال لهم أصلا فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح ( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) فمجاز عليه
274. ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
275. ( الذين يأكلون الربا ) أي يأخذونه وهو الزيادة في المعاملة بالنقود والمطعومات في القدر أو الأجل ( لا يقومون ) من قبورهم ( إلا ) قياما ( كما يقوم الذي يتخبطه ) يصرعه ( الشيطان من المَسِّ ) الجنون ، متعلق بيقومون ( ذلك ) الذي نزل بهم (بأنهم ) بسبب أنهم ( قالوا إنما البيع مثل الربا ) في الجواز وهذا من عكس التشبيه مبالغة فقال تعالى ردا عليهم ( وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه ) بلغه ( موعظة ) وعظ ( من ربه فانتهى ) عن أكله ( فله ما سلف ) قبل النهي أي لا يسترد منه ( وأمره ) في العفو عنه ( إلى الله ومن عاد ) إلى أكله مشبها له بالبيع في الحل ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
276. ( يمحق الله الربا ) ينقصه ويذهب بركته ( ويربي الصدقات ) يزيدها وينميها ويضاعف ثوابها ( والله لا يحب كل كفار ) بتحليل الربا ( أثيم ) فاجر بأكله أي يعاقبه
277. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
278. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ) اتركوا ( ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) صادقين في إيمانكم فإن من شأن المؤمن امتثال أمر الله تعالى ، نزلت لما طالب بعض الصحابة بعد النهي بربا كان لهم من قبل
279. ( فإن لم تفعلوا ) ما أمرتم به ( فأذنوا ) اعلموا ( بحرب من الله ورسوله ) لكم فيه تهديد شديد لهم ولما نزلت قالوا لا يد لنا بحربه ( وإن تبتم ) رجعتم عنه ( فلكم رؤوس ) أصول ( أموالكم لا تَظلِمون ) بزيادة ( ولا تُظلَمون ) بنقص
280. ( وإن كان ) وقع غريم ( ذو عسرة فنَظِرة ) له أي عليكم تأخيره ( إلى ميسَرة ) بفتح السين وضمها أي وقت يسر (وأن تصَّدقوا ) بالتشديد على إدغام التاء في الأصل في الصاد وبالتخفيف على حذفها أي تتصدقوا على المعسر بالإبراء (خير لكم إن كنتم تعلمون ) أنه خير فافعلوه وفي الحديث « من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » رواه مسلم
281. ( واتقوا يوما تُرجَعون ) بالبناء للمفعول تردون وللفاعل تسيرون ( فيه إلى الله ) هو يوم القيامة ( ثم توفى ) فيه ( كل نفس ) جزاء ( ما كسبت ) عملت من خير وشر ( وهم لا يظلمون ) بنقص حسنة أو زيادة سيئة
282. ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم ) تعاملتم ( بدين ) كسلم وقرض ( إلى أجل مسمى ) معلوم ( فاكتبوه ) استيثاقا ودفعا للنزاع ( وليكتب ) كتاب الدين ( بينكم كاتب بالعدل ) بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص ( ولا يأب ) يمتنع ( كاتب ) من ( أن يكتب ) إذ دعي إليها ( كما علمه الله ) أي فضله بالكتابة فلا يبخل بها ، والكاف متعلقة بيأب ( فليكتب ) تأكيد ( وليُملل ) يمل الكاتب ( الذي عليه الحق ) الدين لأنه المشهود عليه فيقر ليعلم ما عليه ( وليتق الله ربه ) في إملائه ( ولا يبخس ) ينقص ( منه ) أي الحق ( شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) مبذراً ( أو ضعيفا ) عن الإملاء لصغر أو كبر ( أو لا يستطيع أن يمل هو ) لخرس أو جهل باللغة أو نحو ذلك ( فليملل وليه ) متولي أمره من والد ووصي وقيم ومترجم ( بالعدل واستشهدوا ) أشهدوا على الدين ( شهيدين ) شاهدين ( من رجالكم ) أي بالغي المسلمين الأحرار ( فإن لم يكونا ) أي الشهيدان ( رجلين فرجل وامرأتان ) يشهدون ( ممن ترضون من الشهداء ) لدينه وعدالته وتعدد النساء لأجل ( أن تضل ) تنسى ( إحداهما ) الشهادة لنقص عقلهن وضبطهن ( فتذكِّر ) بالتخفيف والتشديد ( إحداهما ) الذاكرة ( الأخرى ) الناسية ، وجملة الإذكار محل العلة أي لتذكر إن ضلت ودخلت على الضلال لأنه سببه وفي قراءة بكسر { إن } شرطية ورفع تذكر استئناف جوابه ( ولا يأب الشهداء إذا ما ) زائدة ( دعوا ) إلى تحمل الشهادة وأدائها ( ولا تسأموا ) تملوا من ( أن تكتبوه ) أي ما شهدتم عليه من الحق لكثرة وقوع ذلك ( صغيرا ) كان ( أو كبيرا ) قليلا أو كثيرا ( إلى أجله ) وقت حلوله حال من الهاء في تكتبوه ( ذلكم ) أي الكتب ( أقسط ) أعدل ( عند الله وأقوم للشهادة ) أي أعون على إقامتها لأنه يذكرها ( وأدنى ) أقرب إلى ( أ ) ن ( لا ترتابوا ) تشكوا في قدر الحق والأجل ( إلا أن تكون ) تقع ( تجارةٌ حاضرةٌ ) وفي قراءة بالنصب فتكون ناقصة واسمها ضمير التجارة ( تديرونها بينكم ) أي تقبضونها ولا أجل فيها ( فليس عليكم جناح ) في ( أ ) ن ( لا تكتبوها ) والمراد بها المتجر فيه ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) عليه فإنه أدفع للاختلاف وهذا وما قبله أمر ندب ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) صاحب الحق ومن عليه بتحريف أو امتناع من الشهادة أو الكتابة ولا يضرهما صاحب الحق بتكليفهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة (وإن تفعلوا ) ما نهيتم عنه ( فإنه فسوق ) خروج عن الطاعة لا حق ( بكم واتقوا الله ) في أمره ونهيه ( ويعلمكم الله ) مصالح أموركم حال مقدرة أو مستأنف ( والله بكل شيء عليم )
283. ( وإن كنتم على سفر ) أي مسافرين وتداينتم ( ولم تجدوا كاتبا فرُهُنٌ ) وفي قراءة { فرِهان } جمع رَهْن ( مقبوضة ) تستوثقون بها ، وبينت السنة جواز الرهن في الحضر ووجود الكاتب فالتقيد بما ذكر لأن التوثيق فيه أشد وأفاد قوله مقبوضة اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله ( فإن أمن بعضكم بعضا ) أي الدائن المدين على حقه فلم يرتهن ( فليؤد الذي اؤتمن ) أي المدين ( أمانته ) دينه ( وليتق الله ربه ) في أدائه ( ولا تكتموا الشهادة ) إذا دعيتم لإقامتها ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) خص بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه معاقبة الآثمين ( والله بما تعملون عليم ) لا يخفى عليه شيء منه
284. ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ) تظهروا ( ما في أنفسكم ) من السوء والعزم عليه ( أو تخفوه ) تسروه ( يحاسبكم ) يخبركم ( به الله ) يوم القيامة ( فيغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه والفعلان بالجزم عطف على جواب الشرط والرفع أي فهو ( والله على كل شيء قدير ) ومنه محاسبتكم وجزاؤكم
285. ( آمن ) صدق ( الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ( بما أنزل إليه من ربه ) من القرآن ( والمؤمنون ) عطف عليه (كلٌ ) تنوينه عوض عن المضاف إليه ( آمن بالله وملائكته وكتبه ) بالجمع والإفراد ( ورسله ) يقولون ( لا نفرق بين أحد من رسله ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى ( وقالوا سمعنا ) أي ما أمرنا به سماع قبول ( وأطعنا ) نسألك (غفرانك ربنا وإليك المصير ) المرجع بالبعث ، ولما نزلت الآية التي قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل:
286. ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) أي ما تسعه قدرتها ( لها ما كسبت ) من الخير أي ثوابه ( وعليها ما اكتسبت ) من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه ، قولوا ( ربنا لا تؤاخذنا ) بالعقاب ( إن نسينا أو أخطأنا ) تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا ) أمرا يثقل علينا حمله ( كما حملته على الذين من قبلنا ) أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة ) قوة ( لنا به ) من التكاليف والبلاء ( واعف عنا ) امح ذنوبنا ( واغفر لنا وارحمنا ) في الرحمة زيادة على المغفرة ( أنت مولانا ) سيدنا ومتولي أمورنا ( فانصرنا على القوم الكافرين ) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، وفي الحديث « لما نزلت هذا الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة قد فعلت » .

3. سورة آل عمران [ مدنية وآياتها 199 أو 200 آية ، نزلت بعد الأنفال ]
1. ( الم ) الله أعلم بمراده بذلك
2. ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )
3. ( نزَّل عليك ) يا محمد ( الكتاب ) القرآن ملتبسا ( بالحق ) بالصدق في أخباره ( مصدقا لما بين يديه ) قبله من الكتب ( وأنزل التوراة والإنجيل )
4. ( من قبل ) أي قبل تنزيله ( هدى ) حال بمعنى هادين من الضلالة ( للناس ) ممن تبعهما ، وعبّر فيهما بأنزل وفي القرآن بنزّل المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه ( وأنزل الفرقان ) بمعنى الكتب الفارقة بين الحق والباطل وذكره بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها ( إن الذين كفروا بآيات الله ) القرآن وغيره ( لهم عذاب شديد والله عزيز ) غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده ( ذو انتقام ) عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد
5. ( إن الله لا يخفى عليه شيء ) كائن ( في الأرض ولا في السماء ) لعلمه بما يقع في العالم من كلي وجزئي وخصهما بالذكر لأن الحس لا يتجاوزهما
6. ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك ( لا إله إلا هو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
7. ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) واضحات الدلالة ( هن أم الكتاب ) أصله المعتمد عليه في الأحكام (وأخر متشابهات ) لا تفهم معانيها كأوائل السور وجعله كله محكما في قوله { أحكمت آياته } بمعنى أيه ليس فيه عيب ، ومتشابها في قوله { كتابا متشابها } بمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) ميل عن الحق (فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء ) طلب ( الفتنة ) لجهالهم بوقوعهم في الشبهات واللبس ( وابتغاء تأويله ) تفسيره ( وما يعلم تأويله ) تفسيره ( إلا الله ) وحده ( والراسخون ) الثابتون المتمكنون ( في العلم ) مبتدأ خبره ( يقولون آمنا به ) أي بالمتشابه أنه من عند الله ولا نعلم معناه ( كل ) من المحكم والمتشابه ( من عند ربنا وما يذَّكر ) بإدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ ( إلا أولوا الألباب ) أصحاب العقول ويقولون أيضا إذا رأوا من يتبعه:
8. ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) تملها عن الحق بابتغاء تأويله الذي لا يليق بنا كما أزغت قلوب أولئك ( بعد إذ هديتنا ) أرشدتنا إليه ( وهب لنا من لدنك ) من عندك ( رحمة ) تثبيتا ( إنك أنت الوهاب )
9. يا ( ربنا إنك جامع الناس ) تجمعهم ( ليوم ) أي في يوم ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) هو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك ( إن الله لا يخلف الميعاد ) موعده بالبعث فيه التفات عن الخطاب ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى والغرض من الدعاء بذلك بيان أن همهم أمر الآخرة ولذلك سألوا الثبات على الهداية لينالوا ثوابها ، روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت:« تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } إلى آخرها ، وقال فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم » وروى الطبراني في الكبير عن أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ما أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال وذكر منها أن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وليس يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلى أولوا الألباب » الحديث
10. ( إن الذين كفروا لن تغني ) تدفع ( عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ) أي عذابه ( شيئا وأولئك هم وَقود النار ) بفتح الواو ما توقد به
11. دأبهم ( كدأب ) كعادة ( آل فرعون والذين من قبلهم ) من الأمم كعاد وثمود ( كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ) أهلكهم ( بذنوبهم) والجملة مفسرة لما قبلها ( والله شديد العقاب ) ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا له لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش أغمارا لا يعرفون القتال:
12. ( قل ) يا محمد ( للذين كفروا ) من اليهود ( ستغلبون ) بالتاء والياء في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية وقد وقع ذلك ( وتحشرون ) بالوجهين في الآخرة ( إلى جهنم ) فتدخلونها ( وبئس المهاد ) الفراش هي
13. ( قد كان لكم آية ) عبرة وذكر الفعل للفصل ( في فئتين ) فرقتين ( التقتا ) يوم بدر للقتال ( فئة تقاتل في سبيل الله ) أي طاعته وهم النبي وأصحابه وكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا معهم فرسان وست أدرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجال (وأخرى كافرة يرونهم ) أي الكفار ( مثليهم ) أي المسلمين أي أكثر منهم وكانوا نحو ألف ( رأي العين ) أي رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم ( والله يؤيد ) يقوي ( بنصره من يشاء إن في ذلك ) المذكور ( لعبرة لأولي الأبصار ) لذوي البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنوا
14. ( زين للناس حب الشهوات ) ما تشتهيه النفس وتدعو إليه ، زينها الله ابتلاء أو الشيطان ( من النساء والبنين والقناطير) الأموال الكثيرة ( المقنطرة ) المجمعة ( من الذهب والفضة والخيل المسومة ) الحسان ( والأنعام ) أي الإبل والبقر والغنم ( والحرث) الزرع ( ذلك ) المذكور ( متاع الحياة الدنيا ) يتمتع به فيها ثم يفنى ( والله عنده حسن المآب ) المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره
15. ( قل ) يا محمد لقومك ( أؤنبئكم ) أخبركم ( بخير من ذلكم ) المذكور من الشهوات استفهام تقرير ( للذين اتقوا ) الشرك (عند ربهم ) خبر مبتدؤه ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) أي مقدرين الخلود ( فيها ) إذا دخلوها ( وأزواج مطهرة ) من الحيض وغيره مما يستقذر ( ورِضوان ) بكسر أوله وضمه لغتان أي رضاً كثيراً ( من الله والله بصير ) عالم ( بالعباد ) فيجازي كلا منهم بعمله
16. ( الذين ) نعت أو بدل من الذين قبله ( يقولون ) يا ( ربنا إننا آمنا ) صدقنا بك وبرسولك ( فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار )
17. ( الصابرين ) على الطاعة وعن المعصية نعت ( والصادقين ) في الإيمان ( والقانتين ) المطيعين لله ( والمنفقين ) المتصدقين ( والمستغفرين ) الله بأن يقولوا اللهم اغفر لنا ( بالأسحار ) أواخر الليل خصت بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم
18. ( شهد الله ) بين لخلقه بالدلائل والآيات ( أنه لا إله ) أي لا معبود في الوجود بحق ( إلا هو و ) شهد بذلك (الملائكة ) بالإقرار ( وأولوا العلم ) من الأنبياء والمؤمنين بالإعتقاد واللفظ ( قائما ) بتدبير مصنوعاته ونصبه على الحال والعامل فيها معنى أي تفرد ( بالقسط ) بالعدل ( لا إله إلا هو ) كرره تأكيدا ( العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
19. ( إن الدين ) المرضي ( عند الله ) هو ( الإسلام ) أي الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد وفي قراءة بفتح { أن } بدل من أنه الخ بدل اشتمال ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ) اليهود والنصارى في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض ( إلا من بعد ما جاءهم العلم ) بالتوحيد ( بغيا ) من الكافرين ( بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) أي المجازاة له
20. ( فإن حاجوك ) خاصمك الكفار يا محمد في الدين ( فقل ) لهم ( أسلمت وجهي لله ) انقدت له أنا ( ومن اتبعن ) وخص الوجه بالذكر لشرفه فغيره أولى ( وقل للذين أوتوا الكتاب ) اليهود والنصارى ( والأميين ) مشركي العرب ( أأسلمتم ) أي أسلموا ( فإن أسلموا فقد اهتدوا ) من الضلال ( وإن تولوا ) عن الإسلام ( فإنما عليك البلاغ ) التبليغ للرسالة ( والله بصير بالعباد ) فيجازيهم بأعمالهم وهذا قبل الأمر بالقتال
21. ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون ) وفي قراءة { يقاتلون } ( النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط ) بالعدل ( من الناس ) وهم اليهود روي أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا فنهاهم مائة وسبعون من عبادهم فقتلوهم من يومهم ( فبشرهم ) أعلمهم ( بعذاب أليم ) مؤلم وذكر البشارة تهكم بهم ودخلت الفاء في خبر إن لشبه اسمهما الموصول بالشرط
22. ( أولئك الذين حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) ما عملوا من خير كصدقة وصلة رحم ( في الدنيا والآخرة ) فلا اعتداد بها لعدم شرطها ( وما لهم من ناصرين ) مانعين من العذاب
23. ( ألم تر ) تنظر ( إلى الذين أوتوا نصيبا ) حظا ( من الكتاب ) التوراة ( يدعون ) حال ( إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ) عن قبول حكمه نزل في اليهود زنى منهم اثنان فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأبوا فجيء بالتوراة فوجد فيها فرجما فغضبوا
24. ( ذلك ) التولي والإعراض ( بأنهم قالوا ) أي بسبب قولهم ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم ( وغرهم في دينهم ) متعلق بقوله ( ما كانوا يفترون ) من قولهم ذلك
25. ( فكيف ) حالهم ( إذا جمعناهم ليوم ) أي في يوم ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) هو يوم القيامة ( ووفيت كل نفس ) من أهل الكتاب وغيرهم جزاء ( ما كسبت ) عملت من خير وشر ( وهم ) أي الناس ( لا يظلمون ) بنقص حسنة أو زيادة سيئة
26. ونزلت لما وعد صلى الله عليه وسلم أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون هيهات: ( قل اللهم ) يا الله ( مالك الملك تؤتي ) تعطي ( الملك من تشاء ) من خلقك ( وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء ) بإيتائه ( وتذل من تشاء ) بنزعه منه ( بيدك) بقدرتك ( الخير ) أي والشر ( إنك على كل شيء قدير )
27. ( تولج ) تدخل ( الليل في النهار وتولج النهار ) تدخله ( في الليل ) فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر ( وتخرج الحي من الميت ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ( وتخرج الميت ) كالنطفة والبيضة ( من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ) أي رزقا واسعا
28. ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ) يوالونهم ( من دون ) أي غير ( المؤمنين ومن يفعل ذلك ) أي يواليهم ( فليس من ) دين ( الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) مصدر تقيته أي تخافوا مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب وهذا قبل عزة الإسلام ويجري فيمن هو في بلد ليس قويا فيها ( ويحذركم ) يخوفكم ( الله نفسه ) أن يغضب عليكم إن واليتموهم ( وإلى الله المصير ) المرجع فيجازيكم
29. ( قل ) لهم ( إن تخفوا ما في صدوركم ) قلوبكم من موالاتهم ( أو تبدوه ) تظهروه ( يعلمه الله و ) هو ( يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيب من والاهم
30. اذكر ( يوم تجد كل نفس ما عملتـ ) ـه ( من خير محضراً وما عملتـ ) ـه ( من سوء ) مبتدأ خبره ( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها ( ويحذركم الله نفسه ) كرر للتأكيد ( والله رؤوف بالعباد )
31. ونزل لما قالوا ما نعبد الأصنام إلا حبا لله ليقربونا إليه ( قل ) لهم يا محمد ( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) بمعنى أن يثيبكم ( ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور ) لمن اتبعني ما سلف منه قبل ذلك ( رحيم ) به
32. ( قل ) لهم ( أطيعوا الله والرسول ) فيما يأمركم به من التوحيد ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الطاعة ( فإن الله لا يحب الكافرين ) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لا يحبهم بمعنى أنه يعاقبهم
33. ( إن الله اصطفى ) اختار ( آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ) بمعنى أنفسهما ( على العالمين ) بجعل الأنبياء من نسلهم
34. ( ذرية بعضها من ) ولد ( بعض ) منهم ( والله سميع عليم )
35. اذكر ( إذ قالت امرأة عمران ) حنة لما أسنت واشتاقت للولد فدعت الله وأحست بالحمل يا ( رب إني نذرت ) أن أجعل ( لك ما في بطني محرراً ) عتيقاً خالصاً من شواغل الدنيا لخدمة بيتك المقدس ( فتقبل مني إنك أنت السميع ) للدعاء ( العليم) بالنيات ، وهلك عمران وهي حامل
36. ( فلما وضعتها ) ولدتها جارية وكانت ترجو أن يكون غلاما إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان ( قالت ) معتذرة يا ( رب إني وضعتها أنثى والله أعلم ) أي عالم ( بما وضعتْ ) جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء ( وليس الذكر ) الذي طلبت ( كالأنثى ) التي وهبت لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه ( وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها ) أولادها ( من الشيطان الرجيم ) المطرود في الحديث « ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها » رواه الشيخان
37. ( فتقبلها ربها ) أي قبل مريم من أمها ( بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) أنشأها بخلق حسن فكانت تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام وأتت بها أمها الأحبار سَدَنة بيت المقدس فقالت: دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم فقال زكريا أنا أحق بها لأن خالتها عندي فقالوا لا حتى نقترع فانطلقوا وهم تسعة وعشرون إلى نهر الأردن وألقوا أقلامهم على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد أولى بها فثبت قلم زكريا فأخذها وبنى لها غرفة في المسجد بسلم لا يصعد إليها غيره وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف كما قال تعالى ( وكفَلَها زكرياءُ ) ضمها إليه وفي قراءة بالتشديد ونصب زكريا ممدودا ومقصورا والفاعل الله ( كلما دخل عليها زكريا المحراب ) الغرفة وهي أشرف المجالس ( وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى ) من أين ( لك هذا قالت ) وهي صغيرة ( هو من عند الله ) يأتيني به من الجنة ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) رزقا واسعا بلا تبعة
38. ( هنالك ) أي لما رأى زكريا ذلك وعلم أن القادر على الإتيان بالشيء في غير حينه قادر على الإتيان بالولد على الكبر وكان أهل بيته انقرضوا ( دعا زكريا ربه ) لما دخل المحراب للصلاة جوف الليل ( قال رب هب لي من لدنك ) من عندك ( ذرية طيبة ) ولدا صالحا ( إنك سميع ) مجيب ( الدعاء )
39. ( فنادته الملائكة ) أي جبريل ( وهو قائم يصلي في المحراب ) أي المسجد ( أن ) أي بأن وفي قراءة بالكسر بتقدير القول ( الله يُبَشِّرك ) مثقلا ومخففا ( بيحيى مصدقا بكلمة ) كائنة ( من الله ) أي بعيسى أنه روح الله وسمي كلمة لأنه خلق بكلمة كن ( وسيدا ) متبوعا ( وحصورا ) ممنوعا من النساء ( ونبيا من الصالحين ) روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها
40. ( قال رب أنى ) كيف ( يكون لي غلام ) ولد ( وقد بلغني الكبر ) أي بلغت نهاية السن مائة وعشرين سنة (وامرأتي عاقر ) بلغت ثمان وتسعين سنة ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق الله غلاما منكما ( الله يفعل ما يشاء ) لا يعجزه عنه شيء ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
41. ( قال رب اجعل لي آية ) أي علامة على حمل امرأتي ( قال آيتك ) عليه ( أ ) ن ( لا تكلم الناس ) أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله تعالى ( ثلاثة أيام ) أي بلياليها ( إلا رمزا ) إشارة ( واذكر ربك كثيرا وسبح ) صل ( بالعشي والإبكار ) أواخر النهار وأوائله
42. ( و ) اذكر ( إذ قالت الملائكة ) أي جبريل ( يا مريم إن الله اصطفاك ) اختارك ( وطهرك ) من مسيس الرجال ( واصطفاك على نساء العالمين ) أي أهل زمانك
43. ( يا مريم اقنتي لربك ) أطيعيه ( واسجدي واركعي مع الراكعين ) أي صلي مع المصلين
44. ( ذلك ) المذكور من أمر زكريا ومريم ( من أنباء الغيب ) أخبار ما غاب عنك ( نوحيه إليك ) يا محمد ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ) في الماء يقترعون ليظهر لهم ( أيهم يكفل ) يربّي ( مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به وإنما عرفته من جهة الوحي
45. ( إذ قالت الملائكة ) أي جبريل ( يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ) أي ولد ( اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) خاطبها بنسبته إليها تنبيها على أنها تلده بلا أب إذ عادة الرجال نسبتهم إلى آبائهم ( وجيهاً ) ذا جاه ( في الدنيا ) بالنبوة ( والآخرة ) بالشفاعة والدرجات العلا ( ومن المقربين ) عند الله
46. ( ويكلم الناس في المهد ) أي طفلا قبل وقت الكلام ( وكهلاً ومن الصالحين )
47. ( قالت رب أنّى ) كيف ( يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ) بتزوج ولا غيره ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق ولد منك بلا أب ( الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً ) أراد خلقه ( فإنما يقول له كن فيكون ) أي فهو يكون
48. ( ونعلِّمه ) بالنون والياء ( الكتاب ) الخط ( والحكمة والتوراة والإنجيل )
49. ( و ) نجعله ( رسولاً إلى بني إسرائيل ) في الصبا أو بعد البلوغ فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت ، وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم: إني رسول الله إليكم ( أني ) أي بأني ( قد جئتكم بآية ) علامة على صدقي ( من ربكم ) هي ( أني ) وفي قراءة بالكسر استئنافا ( أخلق ) أصور ( لكم من الطين كهيئة الطير ) فالكاف اسم مفعول ( فأنفخ فيه ) الضمير للكاف ( فيكون طيراً ) وفي قراءة طائر ( بإذن الله ) بإرادته فخلق لهم الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا فكان يطير وهم ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل المخلوق من فعل الخالق وهو الله تعالى وليعلم أن الكمال لله ( وأبرِّئ ) أشفى ( الأكمه ) الذي ولد أعمى ( والأبرص ) وخُصا بالذكر لأنهما داءا إعياء وكان بعثه في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان ( وأحيي الموتى بإذن الله ) كرره لنفي توهم الألوهية فيه فأحيا عازر صديقا له وابن العجوز وابنة العاشر فعاشوا وولد لهم ، وسام بن نوح ومات في الحال ( وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون ) تخبئون ( في بيوتكم ) مما لم أعاينه فكان يخبر الشخص بما أكل وبما يأكل بعد ( إن في ذلك ) المذكور ( لآية لكم إن كنتم مؤمنين )
50. ( و ) جئتكم ( مصدقا لما بين يدي ) قبلي ( من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) فيها فأحل لهم من السمك والطير ما لا صيصة له وقيل أحل الجميع فبعض بمعنى كل ( وجئتكم بآية من ربكم ) كرّره تأكيداً وليبني عليه ( فاتقوا الله وأطيعون ) فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته
51. ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا ) الذي آمركم به ( صراط ) طريق ( مستقيم ) فكذبوه ولم يؤمنوا به
52. ( فلما أحس ) علم ( عيسى منهم الكفر ) وأرادوا قتله ( قال من أنصاري ) أعواني ذاهباً ( إلى الله ) لأنصر دينه (قال الحواريون نحن أنصار الله ) أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصّارين يحورون الثياب أي يبيّضونها ( آمنا ) صدقنا ( بالله واشهد ) يا عيسى ( بأنا مسلمون )
53. ( ربنا آمنا بما أنزلت ) من الإنجيل ( واتبعنا الرسول ) عيسى ( فاكتبنا مع الشاهدين ) لك بالوحدانية ولرسولك بالصدق
54. قال تعالى: ( ومكروا ) أي كفار بني إسرائيل بعيسى إذ وكّلوا به من يقتله غيلة ( ومكر الله ) بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه ورفع عيسى إلى السماء ( والله خير الماكرين ) أعلمهم به
55. اذكر ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ) قابضك ( ورافعك إلي ) إلي من الدنيا من غير موت ( ومطهرك ) مبعدك ( من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك ) صدّقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى ( فوق الذين كفروا ) بك وهم اليهود يعلونهم بالحجة والسيف ( إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ) من أمر الدين
56. ( فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا ) بالقتل والسبي والجزية ( والآخرة ) بالنار ( وما لهم من ناصرين) مانعين منه
57. ( وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفِّيهم ) بالياء والنون ( أجورهم والله لا يحب الظالمين ) أي يعاقبهم ، روي أن الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته فتعلقت به أمه وبكت فقال لها إن القيامة تجمعنا وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة ، وعاشت أمه بعده ست سنين وروى الشيخان حديث « أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية » وفي حديث مسلم أنه يمكث سبع سنين وفي حديث عن أبي داود الطيالسي أربعين سنة ويتوفى ويصلى عليه فيحتمل أن المراد مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده
58. ( ذلك ) المذكور من أمر عيسى ( نتلوه ) نقصه ( عليك ) يا محمد ( من الآيات ) حال من الهاء في نتلوه وعامله ما في ذلك من معنى الإشارة ( والذكر الحكيم ) المحكم أي القرآن
59. ( إن مثل عيسى ) شأنه الغريب ( عند الله كمثل آدم ) كشأنه في خلقه من غير أم ولا أب وهو من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأوقع في النفس ( خلقه من تراب ثم قال له كن ) بشراً ( فيكون ) أي فكان وكذلك عيسى قال له كن من غير أب فكان
60. ( الحق من ربك ) خبر مبتدأ محذوف أي أمر عيسى ( فلا تكن من الممترين ) الشاكين فيه
61. ( فمن حاجك ) جادلك من النصارى ( فيه من بعد ما جاءك من العلم ) بأمره ( فقل ) لهم ( تعالَوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) فنجمعهم ( ثم نبتهل ) نتضرع في الدعاء ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) بأن نقول: اللهم العن الكاذب في شأن عيسى وقد دعا صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك لما حاجوه به فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك فقال ذو رأيهم: لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا فوادعوا الرجل وانصرفوا فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال لهم: إذا دعوت فأمِّنوا فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية رواه أبو نُعيم ، وعن ابن عباس قال: لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا ، وروي: لو خرجوا لاحترقوا
62. ( إن هذا ) المذكور ( لهو القصص ) الخبر ( الحق ) الذي لا شك فيه ( وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
63. ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الإيمان ( فإن الله عليم بالمفسدين ) فيجازيهم وفيه وضع الظاهر موضع المضمر
64. ( قل يا أهل الكتاب ) اليهود والنصارى ( تعالَوا إلى كلمةٍ سواءٍ ) مصدر بمعنى مستو أمرها ( بيننا وبينكم ) هي ( أ ) ن ( لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ) كما اتخذتم الأحبار والرهبان ( فإن تولوا ) أعرضوا عن التوحيد ( فقولوا ) أنتم لهم ( اشهدوا بأنا مسلمون ) موحدون
65. ونزل لما قال اليهود: إبراهيم يهودي ونحن على دينه ، وقالت النصارى كذلك: ( يا أهل الكتاب لم تحاجُّون ) تخاصمون ( في إبراهيم ) بزعمكم أنه على دينكم ( وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ) بزمن طويل وبعد نزولهما حدثت اليهودية والنصرانية ( أفلا تعقلون ) بطلان قولكم
66. ( ها ) للتنبيه ( أنتم ) مبتدأ يا ( هؤلاء ) والخبر ( حاججتم فيما لكم به علم ) من أمر موسى وعيسى وزعمكم أنكم من دينهما ( فلم تحاجُّون فيما ليس لكم به علم ) من شأن إبراهيم ( والله يعلم ) شأنه ( وأنتم لا تعلمون ) قال تعالى تبرئة لإبراهيم:
67. ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً ) مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( مسلماً ) موحداً ( وما كان من المشركين )
68. ( إن أولى الناس ) أحقهم ( بإبراهيم للذين اتبعوه ) في زمانه ( وهذا النبي ) محمد لموافقته له في أكثر شرعه (والذين آمنوا ) من أمته فهم الذين ينبغي أن يقولوا نحن على دينه لا أنتم ( والله ولي المؤمنين ) ناصرهم وحافظهم
69. ونزل لما دعا اليهود معاذاً وحذيفةَ وعماراً إلى دينهم: ( ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلُّونكم وما يُضلُّون إلا أنفسهم) لأن إثم إضلالهم عليهم والمؤمنون لا يطيعونهم فيه ( وما يشعرون ) بذلك
70. ( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ) القرآن المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( وأنتم تشهدون ) تعلمون أنه حق
71. ( يا أهل الكتاب لم تلبسون ) تخلطون ( الحق بالباطل ) بالتحريف والتزوير ( وتكتمون الحق ) أي نعت النبي ( وأنتم تعلمون) أنه حق
72. ( وقالت طائفة من أهل الكتاب ) اليهود لبعضهم ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا ) أي القرآن ( وجه النهار ) أوله (واكفروا ) به ( آخره لعلهم ) أي المؤمنين ( يرجعون ) عن دينهم إذ يقولون ما رجع هؤلاء عنه بعد دخولهم فيه وهم أولو علم إلا لعلمهم بطلانه
73. وقالوا أيضا ( ولا تؤمنوا ) تصدقوا ( إلا لمن ) اللام زائدة ( تبع ) وافق ( دينكم ) قال تعالى: ( قل ) لهم يا محمد ( إن الهدى هدى الله ) الذي هو الإسلام وما عداه ضلال ، والجملة إعتراض ( أن ) أي بأن ( يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ) من الكتاب والحكمة والفضائل ، وأن مفعول تؤمنوا ، والمستثنى منه أحد قدم عليه المستثنى المعنى: لا تقروا بأن أحدا يؤتى ذلك إلا لمن اتبع دينكم (أو ) بأن ( يحاجوكم ) أي المؤمنون يغلبوكم ( عند ربكم ) يوم القيامة لأنكم أصح دينا ، وفي قراءة: أأن بهمزة التوبيخ أي إيتاء أحد مثله تقرون به قال تعالى: ( قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) فمن أين لكم أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم (والله واسع ) كثير الفضل ( عليم ) بمن هو أهله
74. ( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
75. ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار ) أي بمال كثير ( يؤده إليك ) لأمانته كعبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية ذهباً فأداها إليه ( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) لخيانته ( إلا ما دمت عليه قائما ) لا تفارقه فمتى فارقته أنكره ككعب بن الأشرف استودعه قرشي ديناراً فجحده ( ذلك ) أي ترك الأداء ( بأنهم قالوا ) بسبب قولهم ( ليس علينا في الأميين ) أي العرب ( سبيل ) أي إثم لاستحلالهم ظلم من خالف دينهم ونسبوه إليه تعالى ، قال تعالى ( ويقولون على الله الكذب ) في نسبة ذلك إليه ( وهم يعلمون )
76. ( بلى ) عليهم فيه سبيل ( من أوفى بعهده ) الذي عاهد عليه أو بعهد الله إليه من أداء الأمانة وغيره ( واتقى ) الله بترك المعاصي وعمل الطاعات ( فإن الله يحب المتقين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر أي يحبهم بمعنى يثيبهم
77. ونزل في اليهود لما بدلوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الله إليهم في التوراة وفيمن حلف كاذباً في دعوى أو في بيع سلعة: ( إن الذين يشترون ) يستبدلون ( بعهد الله ) إليهم في الإيمان بالنبي وأداء الأمانة ( وأيمانهم ) حلفهم به تعالى كاذبين ( ثمنا قليلا ) من الدنيا ( أولئك لا خلاق ) نصيب ( لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ) غضبا ( ولا ينظر إليهم ) يرحمهم ( يوم القيامة ولا يزكيهم ) يطهرهم ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم
78. ( وإن منهم ) أي أهل الكتاب ( لفريقاً ) طائفة ككعب بن الأشرف ( يلوُون ألسنتهم بالكتاب ) أي يعطفونها بقراءته عن المنزل إلى ما حرفوه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه ( لتحسبوه ) أي المحرَّف ( من الكتاب ) الذي أنزله الله ( وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) أنهم كاذبون
79. ونزل لما قال نصارى نجران إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً ولما طلب بعض المسلمين السجود له صلى الله عليه وسلم ( ما كان ) ينبغي ( لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم ) أي الفهم للشريعة ( والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن ) يقول ( كونوا ربانيين ) علماء عاملين منسوبين إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيما ( بما كنتم تَعْلَمون ) بالتخفيف والتشديد ( الكتاب وبما كنتم تدرسون ) أي بسبب ذلك فإن فائدته أن تعملوا
80. ( ولا يأمرُكم ) بالرفع استئنافا أي الله ، والنصب عطفاً على يقول أي البشر ( أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ) كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيراً والنصارى عيسى ( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) لا ينبغي له هذا
81. ( و ) اذكر ( إذ ) حين ( أخذ الله ميثاق النبيين ) عهدهم ( لَما ) بفتح اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي في أخذ الميثاق وكسرها متعلقة بأخذ وما موصولة على الوجهين أي للذي ( آتيتكم ) إياه ، وفي قراءةٍ { آتيناكم } ( من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ) من الكتاب والحكمة وهو محمد صلى الله عليه وسلم ( لتؤمنن به ولتنصرنه ) جواب القسم إن أدركتموه وأممهم تبع لهم في ذلك ( قال ) تعالى لهم ( أأقررتم ) بذلك ( وأخذتم ) قبلتم ( على ذلكم إصري ) عهدي ( قالوا أقررنا قال فاشهدوا ) على أنفسكم وأتباعكم بذلك ( وأنا معكم من الشاهدين ) عليكم وعليهم
82. ( فمن تولى ) أعرض ( بعد ذلك ) الميثاق ( فأولئك هم الفاسقون )
83. ( أفغير دين الله يبغون ) بالياء والتاء أي المتولون ( وله أسلم ) انقاد ( من في السماوات والأرض طوعاً ) بلا إباء (وكرهاً ) بالسيف ومعاينة ما يلجئ إليه ( وإليه تُرجعون ) بالتاء والياء والهمزة في أول الآية للإنكار
84. ( قل ) لهم يا محمد ( آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) أولاده ( وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ) بالتصديق والتكذيب ( ونحن له مسلمون ) مخلصون في العبادة. ونزل فيمن ارتد ولحق بالكفار:
85. ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) لمصيره إلى النار المؤيدة عليه
86. ( كيف ) أي لا ( يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا ) أي شهادتهم ( أن الرسول حق و ) قد ( جاءهم البينات ) الحجج الظاهرات على صدق النبي ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي الكافرين
87. ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )
88. ( خالدين فيها ) أي اللعنة أو النار المدلول بها عليها ( لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) يمهلون
89. ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ) عملهم ( فإن الله غفور ) لهم ( رحيم ) بهم
90. ونزل في اليهود ( إن الذين كفروا ) بعيسى ( بعد إيمانهم ) بموسى ( ثم ازدادوا كفراً ) بمحمد ( لن تقبل توبتهم ) إذا غرغروا أو ماتوا كفارا ( وأولئك هم الضالون )
91. ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ) مقدار ما يملؤها ( ذهباً ولو افتدى به ) أدخل الفاء في خبر إن لشبه الذين بالشرط وإيذاناً بتسبب عدم القبول عن الموت على الكفر ( أولئك لهم عذاب أليم ) مؤلم ( وما لهم من ناصرين ) مانعين منه
92. ( لن تنالوا البر ) أي ثوابه وهو الجنة ( حتى تنفقوا ) تَصَّدَّقوا ( مما تحبون ) من أموالكم ( وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ) فيجازي عليه