تفسير الجلالين للقران الكريم أجزاء.. 15



تفسير الجلالين  للقران الكريم أجزاء.. 15


الجزء الخامس عشر

17. سورة الإسراء
1. ( سبحان ) أي تنزيه ( الذي أسرى بعبده ) محمد صلى الله عليه وسلم ( ليلا ) نصب على الظرف والإسراء سير الليل وفائدة ذكره الاشارة بتنكيره إلى تقليل مدته ( من المسجد الحرام ) أي مكة ( إلى المسجد الأقصى ) بيت المقدس لبعده منه ( الذي باركنا حوله ) بالثمار والأنهار ( لنريه من آياتنا ) عجائب قدرتنا ( إنه هو السميع البصير ) أي العالم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله فأنعم عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى فإنه صلى الله عليه وسلم
2. قال تعالى ( وآتينا موسى الكتاب ) التوراة ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ) يفوضون إليه أمرهم وفي قراءة تتخذوا بالفوقانية التفاتا فأن زائدة والقول مضمر
3. ( ذرية من حملنا مع نوح ) في السفينة ( إنه كان عبدا شكورا ) كثير الشكر لنا حامدا في جميع احواله
4. ( وقضينا ) أوحينا ( إلى بني إسرائيل في الكتاب ) التوراة ( لتفسدن في الأرض ) أرض الشام بالمعاصي ( مرتين ولتعلن علوا كبيرا ) تبغون بغيا عظيما
5. ( فإذا جاء وعد أولاهما ) اولى مرتي بالفساد ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ) أصحاب قوة في الحرب والبطش ( فجاسوا ) ترددوا لطلبكم ( خلال الديار ) وسط دياركم ليقتلوكم ويسبوكم ( وكان وعدا مفعولا ) وقد أفسدوا الأولى بقتل ذكريا فبعث عليهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوا أولادهم موخربوا بيت المقدس
6. ( ثم رددنا لكم الكرة ) الدولة والغلبة ( عليهم ) بعد مائة سنة بقتل جالوت ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) عشيرة
7. وقلنا ( إن أحسنتم ) بالطاعة ( أحسنتم لأنفسكم ) لأن ثوابه لها ( وإن أسأتم ) بالفساد ( فلها ) إساءتكم ( فإذا جاء وعد) المرة ( الآخرة ) بعثناهم ( ليسوؤوا وجوهكم ) يحزنوكم بالقتل والسبي حزنا يظهر في وجوهكم ( وليدخلوا المسجد ) بيت المقدس فيخربوه ( كما دخلوه ) وخربوه ( أول مرة وليتبروا ) يهلكوا ( ما علوا ) غلبوا عليه ( تتبيرا ) هلاكا وقد أفسدوا ثانيا بقتل يحيى فبعث عليهم بختنصر فقتل منهم الوفا وسبى ذريتهم وخرب بيت المقدس
8. وقلنا في الكتاب ( عسى ربكم أن يرحمكم ) بعد المرة الثانية إن تبتم ( وإن عدتم ) إلى الفساد ( عدنا ) الى العقوبة وقد عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فسلط عليهم بقتل قريظة ونفي بني النضير وضرب الجزية عليهم ( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) محبسا وسجنا
9. ( إن هذا القرآن يهدي للتي ) أي الطريقة التي ( هي أقوم ) أعدل وأصوب ( ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا )
10. ويخبر ( وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا ) أعددنا ( لهم عذابا أليما ) مؤلما هو النار
11. ( ويدع الإنسان بالشر ) على نفسه وأهله إذا ضجر ( دعاءه ) أي كدعائه له ( بالخير وكان الإنسان ) الجنس ( عجولا ) بالدعاء على نفسه وعدم النظر في عاقبته
12. ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) دالتين على قدرتنا ( فمحونا آية الليل ) طمسنا نورها بالظلام لتسكنوا فيه والإضافة للبيان ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي مبصرا فيها بالضوء ( لتبتغوا ) فيه ( فضلا من ربكم ) بالكسب ( ولتعلموا ) بهما ( عدد السنين والحساب ) للاوقات ( وكل شيء ) يحتاج إليه ( فصلناه تفصيلا ) بيناه تبيينا
13. ( وكل إنسان ألزمناه طائره ) عمله يحمله ( في عنقه ) خص بالذكر لأن اللزوم فيه أشد وقال مجاهد ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد ( ونخرج له يوم القيامة كتابا ) مكتوبا فيه عمله ( يلقاه منشورا ) صفتان لكتابا
14. ويقال له ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) محاسبا
15. ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) لأن ثواب اهتدائه له ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) لأن إثمه عليها ( ولا تزر ) نفس (وازرة ) آثمة أي لا تحمل ( وزر ) نفس ( أخرى وما كنا معذبين ) أحدا ( حتى نبعث رسولا ) يبين له ما يجب عليه
16. ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ) منعميها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا ( ففسقوا فيها ) فخرجوا عن أمرنا ( فحق عليها القول ) بالعذاب ( فدمرناها تدميرا ) اهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها
17. ( وكم ) أي كثيرا ( أهلكنا من القرون ) الأمم ( من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنها وظواهرها وبه يتعلق بذنوب
18. ( من كان يريد ) بعمله ( العاجلة ) أي الدنيا ( عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) التعجيل له بدل من له بإعادة الجار ( ثم جعلنا له ) في الآخرة ( جهنم يصلاها ) يدخلها ( مذموما ) ملوما ( مدحورا ) مطرودا من الرحمة
19. ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ) عمل عملها اللائق بها ( وهو مؤمن ) حال ( فأولئك كان سعيهم مشكورا ) عند الله أي مقبولا مثابا عليه
20. ( كلا ) من الفريقين ( نمد ) نعطي ( هؤلاء وهؤلاء ) بدل ( من ) متعلق بنمد ( عطاء ربك ) في الدنيا ( وما كان عطاء ربك) فيها ( محظورا ) ممنوعا عن احد
21. ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) في الرزق والجاه ( وللآخرة أكبر ) أعظم ( درجات وأكبر تفضيلا ) من الدنيا فينبغي الاعتناء بها دونها
22. ( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) لا ناصر لك
23. ( وقضى ) أمر ( ربك ) أن أي بأن ( ألا تعبدوا إلا إياه ) أن تحسنوا ( وبالوالدين إحسانا ) بأن تبروهما ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما ) فاعل ( أو كلاهما ) وفي قراءة يبلغان فأحدهما بدل من ألفه ( فلا تقل لهما أف ) بفتح الفاء وكسرها منونا وغير منون مصدر بمعنى تبا وقبحا ( ولا تنهرهما ) تزجرهما ( وقل لهما قولا كريما ) جميلا لينا
24. ( واخفض لهما جناح الذل ) ألن لهما جانبك الذليل ( من الرحمة ) أي لرقتك عليهما ( وقل رب ارحمهما كما ) رحماني حين ( ربياني صغيرا )
25. ( ربكم أعلم بما في نفوسكم ) من إضمار البر والعقوق ( إن تكونوا صالحين ) طائعين لله ( فإنه كان للأوابين ) الرجاعين إلى طاعته ( غفورا ) لما صدر منهم في حق الوالدين من بادرة وهم لا يضمرون عقوقا
26. ( وآت ) أعط ( ذا القربى ) القرابة ( حقه ) من البر والصلة ( والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) بالإنفاق في غير طاعة الله
27. ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) أي على طريقتهم ( وكان الشيطان لربه كفورا ) شديد الكفر لنعمه فكذلك أخوه المبذر
28. ( وإما تعرضن عنهم ) أي المذكورين من ذي القربى وما بعدهم فلم تعطهم ( ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) أي لطلب رزق تنتظره يأتيك فتعطيهم منه ( فقل لهم قولا ميسورا ) لينا سهلا بأن تعدهم بالإعطاء عند مجيء الرزق
29. ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) أي لا تمسكها عن الإنفاق كل المسك ( ولا تبسطها ) في الإنفاق ( كل البسط فتقعد ملوما ) راجع للأول ( محسورا ) منقطعا لا شيء عندك راجع للثاني
30. ( إن ربك يبسط الرزق ) يوسعه ( لمن يشاء ويقدر ) يضيقه لمن يشاء ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنهم وظواهرهم فيرزقهم على حسب مصالحهم
31. ( ولا تقتلوا أولادكم ) بالوأد ( خشية ) مخافة ( إملاق ) فقر ( نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ ) إثما ( كبيرا ) عظيما
32. ( ولا تقربوا الزنى ) أبلغ من لا تأتوه ( إنه كان فاحشة ) قبيحا ( وساء ) بئس ( سبيلا ) طريقا هو
33. ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه ) لوارثه ( سلطانا ) تسلطا على القاتل ( فلا يسرف ) يتجاوز الحد ( في القتل ) بأن يقتل غير قاتله أو بغير ما قتل به ( إنه كان منصورا )
34. ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد ) إذا عاهدتم الله أو الناس ( إن العهد كان مسؤولا ) عنه
35. ( وأوفوا الكيل ) أتموه ( إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ) الميزان السوي ( ذلك خير وأحسن تأويلا ) مآلا
36. ( ولا تقف ) تتبع ( ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد ) القلب ( كل أولئك كان عنه مسؤولا ) صاحبه ماذا فعل به
37. ( ولا تمش في الأرض مرحا ) أي ذا مرح بالكبر والخيلاء ( إنك لن تخرق الأرض ) تثقبها حتى تبلغ آخرها بكبرك ( ولن تبلغ الجبال طولا ) المعنى أنك لا تبلغ هذا المبلغ فكيف تحتال
38. ( كل ذلك ) المذكور ( كان سيئه عند ربك مكروها )
39. ( ذلك مما أوحى إليك ) يا محمد ( ربك من الحكمة ) الموعظة ( ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) مطرودا من رحمة الله
40. ( أفأصفاكم ) أخلصكم يا أهل مكة ( ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا ) بنات لنفسه بزعمكم ( إنكم لتقولون ) بذلك (قولا عظيما )
41. ( ولقد صرفنا ) بينا ( في هذا القرآن ) من الأمثال والوعد والوعيد ( ليذكروا ) يتعظوا ( وما يزيدهم ) ذلك ( إلا نفورا ) عن الحق
42. ( قل ) لهم ( لو كان معه ) أي الله ( آلهة كما يقولون إذا لابتغوا ) طلبوا ( إلى ذي العرش ) أي الله ( سبيلا ) ليقاتلوه
43. ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يقولون ) من الشركاء ( علوا كبيرا )
44. ( تسبح له ) تنزهه ( السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن ) ما ( من شيء ) من المخلوقات ( إلا يسبح ) متلبسا (بحمده ) أي يقول سبحان الله وبحمده ( ولكن لا تفقهون ) تفهمون ( تسبيحهم ) لأنه ليس بلغتكم ( إنه كان حليما غفورا ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة
45. ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) أي ساترا لك عنهم فلا يرونك نزل فيمن أراد الفتك به صلى الله عليه وسلم
46. ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية ( أن يفقهوه ) من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه ( وفي آذانهم وقرا ) ثقلا فلا يسمعونه ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) عنه
47. ( نحن أعلم بما يستمعون به ) بسببه من الهزء ( إذ يستمعون إليك ) قراءتك ( وإذ هم نجوى ) يتناجون بينهم أي يتحدثون ( إذ ) بدل من إذ قبله ( يقول الظالمون ) في تناجيهم ( إن ) ما ( تتبعون إلا رجلا مسحورا ) مخدوعا مغلوبا على عقله
48. ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال ) بالمسحور والكاهن والشاعر ( فضلوا ) بذلك عن الهدى ( فلا يستطيعون سبيلا ) طريقا إليه
49. ( وقالوا ) منكرين للبعث ( أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا )
50. ( قل ) لهم ( كونوا حجارة أو حديدا )
51. ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) يعظم عن قبول الحياة فضلا عن العظام والرفات فلا بد من إيجاد الروح فيكم (فسيقولون من يعيدنا ) إلى الحياة ( قل الذي فطركم ) خلقكم ( أول مرة ) ولم تكونوا شيئا لان القادر على البدء قادر على الإعادة بل هي أهون ( فسينغضون ) يحركون ( إليك رؤوسهم ) تعجبا ( ويقولون ) استهزاء ( متى هو ) أي البعث ( قل عسى أن يكون قريبا )
52. ( يوم يدعوكم ) يناديكم من القبور على لسان إسرافيل ( فتستجيبون ) فتجيبون دعوته من القبور ( بحمده ) بأمره وقيل وله الحمد ( وتظنون إن ) ما ( لبثتم ) في الدنيا ( إلا قليلا ) لهول ما ترون
53. ( وقل لعبادي ) المؤمنين ( يقولوا ) للكفار الكلمة ( التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ ) يفسد ( بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) بين العداوة والكلمة التي هي أحسن هي
54. ( ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم ) بالتوبة والإيمان ( أو إن يشأ ) تعذيبكم ( يعذبكم ) بالموت على الكفر ( وما أرسلناك عليهم وكيلا ) فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال
55. ( وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ) فيخصهم بما شاء على قدر أحوالهم ( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ) بتخصيص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ومحمد بالإسراء ( وآتينا داود زبورا )
56. ( قل ) لهم ( ادعوا الذين زعمتم ) أنهم آلهة ( من دونه ) كالملائكة وعيسى وعزيز ( فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) له إلى غيركم
57. ( أولئك الذين يدعون ) آلهة ( يبتغون ) يطلبون ( إلى ربهم الوسيلة ) القربة بالطاعة ( أيهم ) بدل من واو يبتغون أي يبتغيها الذي هو ( أقرب ) إليه فكيف بغيره ( ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة ( إن عذاب ربك كان محذورا )
58. ( وإن ) ما ( من قرية ) أريد أهلها ( إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ) بالموت ( أو معذبوها عذابا شديدا ) بالقتل وغيره ( كان ذلك في الكتاب ) اللوح المحفوظ ( مسطورا ) مكتوبا
59. ( وما منعنا أن نرسل بالآيات ) التي اقترحها أهل مكة ( إلا أن كذب بها الأولون ) لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء وقد حكمنا بإمهالهم لاتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم ( وآتينا ثمود الناقة ) آية ( مبصرة ) بينة واضحة ( فظلموا ) كفروا (بها ) فأهلكوا ( وما نرسل بالآيات ) المعجزات ( إلا تخويفا ) للعباد فيؤمنوا
60. واذكر ( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ) علما وقدرة فهم في قبضته فبلغهم ولا تخف أحدا فهو يعصمك منهم ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ) عيانا ليلة الإسراء ( إلا فتنة للناس ) أهل مكة إذ كذبوا بها وارتد بعضهم لما أخبرهم بها ( والشجرة الملعونة في القرآن ) وهي الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم جعلناها فتنة لهم إذ قالوا النار تحرق الشجرة فكيف تنبته (ونخوفهم ) بها ( فما يزيدهم ) تخويفنا ( إلا طغيانا كبيرا )
61. واذكر ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود تحية بالانحناء ( فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ) نصب بنزع الخافض أي من طين
62. ( قال أرأيتك ) أي أخبرني ( هذا الذي كرمت ) فضلت ( علي ) بالأمر بالسجود له وأنا خير منه خلقتني من نار ( لئن ) لام قسم ( أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ) لأستأصلن ( ذريته ) بالإغواء ( إلا قليلا ) منهم ممن عصمته
63. ( قال ) تعالى له ( اذهب ) منظرا إلى وقت النفخة الأولى ( فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم ) أنت وهم ( جزاء موفورا) وافرا كاملا
64. ( واستفزز ) استخف ( من استطعت منهم بصوتك ) بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية ( وأجلب ) صح ( عليهم بخيلك ورجلك ) وهم الركاب والمشاة في المعاصي ( وشاركهم في الأموال ) المحرمة كالربا والغصب ( والأولاد ) من الزنى (وعدهم ) بأن لا بعث ولا جزاء ( وما يعدهم الشيطان ) بذلك ( إلا غرورا ) باطلا
65. ( إن عبادي ) المؤمنين ( ليس لك عليهم سلطان ) تسلط وقوة ( وكفى بربك وكيلا ) حافظا لهم منك
66. ( ربكم الذي يزجي ) يجري ( لكم الفلك ) السفن ( في البحر لتبتغوا ) تطلبوا ( من فضله ) تعالى بالتجارة ( إنه كان بكم رحيما ) في تسخيرها لكم
67. ( وإذا مسكم الضر ) الشدة ( في البحر ) خوف الغرق ( ضل ) غاب عنكم ( من تدعون ) تعبدون من الآلهة فلا تدعونه (إلا إياه ) تعالى فإنكم تدعونه وحده لأنكم في شدة لا يكشفها إلا هو ( فلما نجاكم ) من الغرق وأوصلكم ( إلى البر أعرضتم ) عن التوحيد ( وكان الإنسان كفورا ) جحودا للنعم
68. ( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر ) أي الارض كقارون ( أو يرسل عليكم حاصبا ) أي يرميكم بالحصباء كقوم لوط (ثم لا تجدوا لكم وكيلا ) حافظا منه
69. ( أم أمنتم أن يعيدكم فيه ) أي البحر ( تارة ) مرة ( أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح ) أي ريحا شديدة لا تمر بشيء إلا قصفته فتكسر فلككم ( فيغرقكم بما كفرتم ) بكفركم ( ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ) ناصرا وتابعا يطالبنا بما فعلنا بكم
70. ( ولقد كرمنا ) فضلنا ( بني آدم ) بالعلم والنطق واعتدال الخلق وغير ذلك ومنه طهارتهم بعد الموت ( وحملناهم في البر ) على الدواب ( والبحر ) على السفن ( ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا ) كالبهائم والوحوش (تفضيلا ) فمن بمعنى ما أو على بابها وتشمل الملائكة والمراد تفضيل الجنس ولا يلزم تفضيل افراده إذ هم أفضل من البشر غير الأنبياء
71. اذكر ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) نبيهم فيقال يا أمة فلان أو بكتاب أعمالهم فيقال يا صاحب الشر وهو يوم القيامة ( فمن أوتي ) منهم ( كتابه بيمينه ) وهم السعداء اولو البصائر في الدنيا ( فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون ) ينقصون من أعمالهم (فتيلا ) قدر قشرة النواة
72. ( ومن كان في هذه ) أي الدنيا ( أعمى ) عن الحق ( فهو في الآخرة أعمى ) عن طريق النجاة وقراءة القرآن ( وأضل سبيلا ) أبعد طريقا عنه ونزل في ثقيف وقد سألوه صلى الله عليه وسلم أن يحرم واديهم وألحوا عليه
73. ( وإن ) مخففة ( كادوا ) قاربوا ( ليفتنونك ) ليستنزلونك ( عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا ) لو فعلت ذلك (لاتخذوك خليلا )
74. ( ولولا أن ثبتناك ) على الحق بالعصمة ( لقد كدت ) قاربت ( تركن ) تميل ( إليهم شيئا ) ركونا ( قليلا ) لشدة احتيالهم وإلحاحهم وهو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يركن ولا قارب
75. ( إذا ) لو ركنت ( لأذقناك ضعف ) عذاب ( الحياة وضعف ) عذاب ( الممات ) أي مثلي ما يعذب غيرك في الدنيا والآخرة ( ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) مانعا منه
76. ونزل لما قال له اليهود إن كنت نبيا حقا فالحق بالشام فإنها أرض الأنبياء ( وإن ) مخففة ( كادوا ليستفزونك من الأرض ) أرض المدينة ( ليخرجوك منها وإذا ) لو أخرجوك ( لا يلبثون خلافك ) فيها ( إلا قليلا ) ثم يهلكون
77. ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ) أي كسنتنا فيهم من اهلاك من أخرجهم ( ولا تجد لسنتنا تحويلا ) تبديلا
78. ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) أي من وقت زوالها ( إلى غسق الليل ) إقبال الظلمة أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وقرآن الفجر ) صلاة الصبح ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار
79. ( ومن الليل فتهجد ) فصل ( به ) بالقرآن ( نافلة لك ) فريضة زائدة لك دون امتك أو فضيلة على الصلوات المفروضة (عسى أن يبعثك ) يقيمك ( ربك ) في الآخرة ( مقاما محمودا ) يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء ونزل لما أمر بالهجرة
80. ( وقل رب أدخلني ) المدينة ( مدخل صدق ) إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره ( وأخرجني ) من مكة ( مخرج صدق ) إخراجا لا ألتفت بقلبي إليها ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قوة تنصرني بها على أعدائك
81. ( وقل ) عند دخولك مكة ( جاء الحق ) الإسلام ( وزهق الباطل ) بطل الكفر ( إن الباطل كان زهوقا ) مضمحلا زائلا وقد دخلها صلى الله عليه وسلم وحول البيت ثلثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ذلك حتى سقطت رواه الشيخان
82. ( وننزل من ) للبيان ( القرآن ما هو شفاء ) من الضلالة ( ورحمة للمؤمنين ) به ( ولا يزيد الظالمين ) الكافرين ( إلا خسارا ) لكفرهم به
83. ( وإذا أنعمنا على الإنسان ) الكافر ( أعرض ) عن الشكر ( ونأى بجانبه ) ثنى عطفه متبخترا ( وإذا مسه الشر ) الفقر والشدة ( كان يئوسا ) قنوطا من رحمة الله
84. ( قل كل ) منا ومنكم ( يعمل على شاكلته ) طريقته ( فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ) طريقا فيثيبه
85. ( ويسألونك ) أي اليهود ( عن الروح ) الذي يحيا به البدن ( قل ) لهم ( الروح من أمر ربي ) أي علمه لا تعلمونه ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) بالنسبة إلى علمه تعالى
86. ( ولئن ) لام قسم ( شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف ( ثم لا تجد لك به علينا وكيلا )
87. ( إلا ) لكن أبقيناه ( رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا ) عظيما حيث أنزله عليك وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك من الفضائل
88. ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ) في الفصاحة والبلاغة ( لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) معينا نزل ردا لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا
89. ( ولقد صرفنا ) بينا ( للناس في هذا القرآن من كل مثل ) صفة لمحذوف أي مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا ( فأبى أكثر الناس ) أي أهل مكة ( إلا كفورا ) جحودا للحق
90. ( وقالوا ) عطف على ابى ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) عينا ينبع منها الماء
91. ( أو تكون لك جنة ) بستان ( من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها ) وسطها ( تفجيرا )
92. ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) قطعا ( أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) مقابلة وعيانا فنراهم
93. ( أو يكون لك بيت من زخرف ) ذهب ( أو ترقى ) تصعد ( في السماء ) على السلم ( ولن نؤمن لرقيك ) لو رقيت فيها ( حتى تنزل علينا ) منها ( كتابا ) فيه تصديقك ( نقرؤه قل ) لهم ( سبحان ربي ) تعجب ( هل ) ما ( كنت إلا بشرا رسولا ) كسائر الرسل ولم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله
94. ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا ) أي قولهم منكرين ( أبعث الله بشرا رسولا ) ولم يبعث ملكا
95. ( قل ) لهم ( لو كان في الأرض ) بدل البشر ( ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) إذ لا يرسل إلى قوم رسولا إلا من جنسهم يمكنهم مخاطبته والفهم عنه
96. ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) على صدقي ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنهم وظواهرهم
97. ( ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء ) يهدونهم ( من دونه ونحشرهم يوم القيامة ) ماشين ( على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت ) سكن لهبها ( زدناهم سعيرا ) تلهبا واشتعالا
98. ( ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا ) منكرين للبعث ( أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا )
99. ( أولم يروا أن ) يعلموا ( الله الذي خلق السماوات والأرض قادر ) مع عظمها ( على أن يخلق مثلهم وجعل ) أي الاناسي في الصغر ( لهم أجلا لا ) للموت والبعث ( ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل ) جحودا له
100. ( قل ) لهم ( لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ) من الرزق والمطر ( إذا لأمسكتم ) لبخلتم ( خشية الإنفاق ) خوف نفادها بالإنفاق فتقتروا ( وكان الإنسان قتورا ) بخيلا
101. ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) وهي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والسنين ونقص الثمرات ( فاسأل ) يا محمد ( بني إسرائيل ) عنه سؤال تقرير للمشركين على صدقك أو فقلنا له إسأل وفي قراءة بلفظ الماضي ( إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ) مخدوعا مغلوبا على عقلك
102. ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء ) الآيات ( إلا رب السماوات والأرض بصائر ) عبرا ولكنك تعاند وفي قراءة بضم التاء (وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) هالكا أو مصروفا عن الخير
103. ( فأراد ) فرعون ( أن يستفزهم ) يخرج موسى وقومه ( من الأرض ) أرض مصر ( فأغرقناه ومن معه جميعا )
104. ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة ) أي الساعة ( جئنا بكم لفيفا ) جميعا أنتم وهم
105. ( وبالحق أنزلناه ) أي القرآن ( وبالحق ) المشتمل عليه ( نزل ) كما انزل لم يعتره تبديل ( وما أرسلناك ) يا محمد ( إلا مبشرا ) من آمن بالجنة ( ونذيرا ) من كفر بالنار
106. ( وقرآنا ) منصوب بفعل يفسره ( فرقناه ) نزلناه مفرقا في عشرين سنة أو وثلاث ( لتقرأه على الناس على مكث ) مهل وتؤدة ليفهموه ( ونزلناه تنزيلا ) شيئا بعد شيء على حسب المصالح
107. ( قل ) لكفار مكة ( آمنوا به أو لا تؤمنوا ) تهديد لهم ( إن الذين أوتوا العلم من قبله ) قبل نزوله وهم مؤمنوا أهل الكتاب ( إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا )
108. ( ويقولون سبحان ربنا ) تنزيها له عن خلف الوعد ( إن ) مخففة ( كان وعد ربنا ) بنزوله وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ( لمفعولا )
109. ( ويخرون للأذقان يبكون ) عطف بزيادة صفة ( ويزيدهم ) القرآن ( خشوعا ) تواضعا لله
110. وكان صلى الله عليه وسلم يقول يا رحمن فقالوا ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلاها آخر معه فنزل ( قل ) لهم (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) أي سموه بأيهما أو نادوه بأن تقولوا يا الله يا رحمن ( أيا ) شرطية ( ما ) زائدة أي أي هذين (تدعوا ) فهو حسن دل على هذا ( فله ) أي لمسماهما ( الأسماء الحسنى ) وهذان منها فإنها كما في الحديث الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعال البر التواب المنتقم العفو الرؤف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور رواه الترمذي قال تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ) بقراءتك فيها فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله ( ولا تخافت ) تسر ( بها ) لينتفع أصحابك ( وابتغ ) اقصد ( بين ذلك ) الجهر والمخافتة ( سبيلا ) طريقا وسطا
111. ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ) في الالوهية ( ولم يكن له ولي ) ينصره (من ) أجل ( الذل ) أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر ( وكبره تكبيرا ) عظمه عظمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرده في صفاته

18. سورة الكهف
1. ( الحمد ) وهو الوصف بالجميل ثابت ( لله ) تعالى وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث ( الذي أنزل على عبده ) محمد ( الكتاب ) القرآن ( ولم يجعل له ) أي فيه ( عوجا ) اختلافا أو تناقضا والجملة حال من الكتاب
2. ( قيما ) مستقيما حال ثانية مؤكدة ( لينذر ) يخوف بالكتاب الكافرين ( بأسا ) عذابا ( شديدا من لدنه ) من قبل الله (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا )
3. ( ماكثين فيه أبدا ) هو الجنة
4. ( وينذر ) من جملة الكافرين ( الذين قالوا اتخذ الله ولدا )
5. ( ما لهم به ) بهذا القول ( من علم ولا لآبائهم ) من قبلهم القائلين له ( كبرت ) عظمت ( كلمة تخرج من أفواههم ) كلمة تمييز مفسر للضمير المبهم والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة ( إن ) ما ( يقولون ) في ذلك ( إلا ) مقولا ( كذبا )
6. ( فلعلك باخع ) مهلك ( نفسك على آثارهم ) بعدهم أي بعد توليهم عنك ( إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ) القرآن ( أسفا ) غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم ونصبه على المفعول له
7. ( إنا جعلنا ما على الأرض ) من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك ( زينة لها لنبلوهم ) لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك ( أيهم أحسن عملا ) فيه أي أزهد له
8. ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا ) فتاتا ( جرزا ) يابسا لا ينبت
9. ( أم حسبت ) أي ظننت ( أن أصحاب الكهف ) الغار في الجبل ( والرقيم ) اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن قصتهم ( كانوا ) في قصتهم ( من ) جملة ( آياتنا عجبا ) خبر كان وما قبله حال أي كانوا عجبا دون باقي الآيات أو أعجبها ليس الأمر كذلك
10. اذكر ( إذ أوى الفتية إلى الكهف ) جمع فتى وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار ( فقالوا ربنا آتنا من لدنك ) من قبلك ( رحمة وهيئ ) أصلح ( لنا من أمرنا رشدا ) هداية
11. ( فضربنا على آذانهم ) أي أنمناهم ( في الكهف سنين عددا ) معدودة
12. ( ثم بعثناهم ) أيقظناهم ( لنعلم ) علم مشاهدة ( أي الحزبين ) الفريقين المختلفين في مدة لبثهم ( أحصى ) أفعل بمعنى أضبط ( لما لبثوا ) للبثهم متعلق بما بعده ( أمدا ) غاية
13. ( نحن نقص ) نقرأ ( عليك نبأهم بالحق ) بالصدق ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى )
14. ( وربطنا على قلوبهم ) قويناهم على قول الحق ( إذ قاموا ) بين يدي يملكهم وقد أمرهم بالسجود للأصنام ( فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه ) أي غيره ( إلها لقد قلنا إذا شططا ) أي قولا ذا شطط أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير الله فرضا
15. ( هؤلاء ) مبتدأ ( قومنا ) عطف بيان ( اتخذوا من دونه آلهة لولا ) هلا ( يأتون عليهم ) على عبادتهم ( بسلطان بين ) بحجة ظاهرة ( فمن أظلم ) أي لا أحد اظلم ( ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك إليك تعالى قال بعض الفتية لبعض
16. ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا ) بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ما ترتفقون به من غداء وعشاء
17. ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور ) بالتشديد والتخفيف تميل ( عن كهفهم ذات اليمين ) ناحيته ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم البتة ( وهم في فجوة منه ) متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها ( ذلك ) المذكور ( من آيات الله ) دلائل قدرته ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا )
18. ( وتحسبهم ) لو رأيتهم ( أيقاظا ) أي منتبهين لأن أعينهم منتفخة جمع يقظ بكسر القاف ( وهم رقود ) نيام جمع راقد (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) لئلا تأكل الأرض لحومهم ( وكلبهم باسط ذراعيه ) يديه ( بالوصيد ) بفناء الكهف وكانوا إذا انقلبوا انقلب هو مثلهم في النوم واليقظة ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت ) بالتشديد والتخفيف ( منهم رعبا ) بسكون العين وضمها منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم
19. ( وكذلك ) كما فعلنا بهم ما ذكرنا ( بعثناهم ) أيقظناهم ( ليتساءلوا بينهم ) عن حالهم ومدة لبثهم ( قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) لأنهم دخلوا الكهف عند طلوع الشمس وبعثوا عند غروبها فظنوا أنه غروب يوم الدخول ثم ( قالوا) متوقفين في ذلك ( ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم ) بسكون الراء وكسرها بفضتكم ( هذه إلى المدينة ) يقال إنها المسماة الآن طرطوس بفتح الراء ( فلينظر أيها أزكى طعاما ) أي أطعمة المدينة أحل ( فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا )
20. ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) يقتلوكم بالرجم ( أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا ) أي إن عدتم في ملتهم ( أبدا)
21. ( وكذلك ) كما بعثناهم ( أعثرنا ) أطلعنا ( عليهم ) قومهم والمؤمنين ( ليعلموا ) أي قومهم ( أن وعد الله ) بالبعث ( حق ) بطريق أن القادر على إنامتهم المدة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى ( وأن الساعة لا ريب ) لا شك ( فيها إذ ) معمول لأعثرنا ( يتنازعون ) أي المؤمنين والكفار ( بينهم أمرهم ) أمر الفتية في البناء حولهم ( فقالوا ) أي الكفار ( ابنوا عليهم) أي حولهم ( بنيانا ) يسترهم ( ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم ) أمر الفتية وهم المؤمنون ( لنتخذن عليهم ) حولهم (مسجدا ) يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف
22. ( سيقولون ) أي المتنازعون في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم هم ( ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون ) أي بعضهم ( خمسة سادسهم كلبهم ) والقولان لنصارى نجران ( رجما بالغيب ) أي ظنا بالغيبة عنهم وهو راجع إلى القولين معا ونصبه على المفعول له أي لظنهم ذلك ( ويقولون ) أي المؤمنون ( سبعة وثامنهم كلبهم ) الجملة من المبتدأ وخبره صفة سبعة بزيادة الواو وقيل تأكيد ودالة على لصوق الصفة بالموصوف ووصف الأولين بالرجم دون الثالث دليل على أنه مرضي وصحيح ( قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) وقال ابن عباس أنا من القليل وذكرهم سبعة ( فلا تمار ) تجادل ( فيهم إلا مراء ظاهرا ) مما أنزل عليك ( ولا تستفت فيهم ) تطلب الفتيا ( منهم ) من أهل الكتاب اليهود ( أحدا ) وسأله أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال اخبركم به غدا ولم يقل إن شاء الله فنزل
23. ( ولا تقولن لشيء ) أي لأجل شيء ( إني فاعل ذلك غدا ) أي فيما يستقبل من الزمان
24. ( إلا أن يشاء الله ) أي إلا متلبسا بمشيئة الله تعالى بأن تقول إن شاء الله ( واذكر ربك ) أي مشيئته معلقا بها (إذا نسيت ) التعليق بها ويكون ذكرها بعد االنسيان كذكرها مع القول قال الحسن وغيره ما دام في المجلس ( وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا ) من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوتي ( رشدا ) هداية وقد فعل الله ذلك
25. ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة ) بالتنوين ( سنين ) عطف بيان لثلاثمائة وهذه السنون الثلاثمائة عند أهل الكتاب شمسية وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين وقد ذكرت في قوله ( وازدادوا تسعا ) أي تسع سنين فثلاثمائة الشمسية ثلثمائة وتسع قمرية
26. ( قل الله أعلم بما لبثوا ) ممن اختلفوا فيه وهو ما تقدم ذكره ( له غيب السماوات والأرض ) أي علمه ( أبصر به ) أي بالله هي صيغة تعجب ( وأسمع ) به كذلك بمعنى ما أبصره وما أسمعه وهما على جهة المجاز والمراد أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء ( ما لهم ) لأهل السموات والأرض ( من دونه من ولي ) ناصر ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) لأنه غني عن الشريك
27. ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ) ملجأ
28. ( واصبر نفسك ) احبسها ( مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ) بعبادتهم ( وجهه ) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء ( ولا تعد ) تنصرف ( عيناك عنهم ) عبر بهما عن صاحبهما ( تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) أي القرآن هو عيينة بن حصن وأصحابه ( واتبع هواه ) في الشرك ( وكان أمره فرطا ) إسرافا
29. ( وقل ) له ولأصحابه هذا القرآن ( الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) تهديد لهم ( إنا أعتدنا للظالمين ) أي الكافرين ( نارا أحاط بهم سرادقها ) ما أحاط بها ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ) كعكر الزيت ( يشوي الوجوه ) من حره إذا قرب منها ( بئس الشراب ) هو ( وساءت ) أي النار ( مرتفقا ) تمييز منقول عن الفاعل أي قبح مرتفقها وهو مقابل لقوله الآتي في الجنة وحسنت مرتفقا وإلا فأي ارتفاق في النار
30. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) الجملة خبر إن الذين وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر والمعنى أجرهم أي نثيبهم بما تضمنه
31. ( أولئك لهم جنات عدن ) إقامة ( تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور ) قيل من زائدة وقيل للتبعيض وهي جمع اسورة كأحمرة جمع سوار ( من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس ) مارق من الديباج ( وإستبرق ) ما غلظ منه وفي آية الرحمن بطائنها من استبرق ( متكئين فيها على الأرائك ) جمع أريكة وهي السرير في الحجلة وهي بيت يزين بالثياب والستور للعروس ( نعم الثواب ) الجزاء الجنة ( وحسنت مرتفقا )
32. ( واضرب ) اجعل ( لهم ) للكفار مع المؤمنين ( مثلا رجلين ) بدل وهو وما بعده تفسير للمثل ( جعلنا لأحدهما ) الكافر ( جنتين ) بستانين ( من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ) يقتات به
33. ( كلتا الجنتين ) كلتا مفرد يدل على التثنية مبتدأ ( آتت ) خبره ( أكلها ) ثمرها ( ولم تظلم ) تنقص ( منه شيئا وفجرنا ) أي شققنا ( خلالهما نهرا ) يجري بينهما
34. ( وكان له ) مع الجنتين ( ثمر ) بفتح الثاء والميم وبضمهما وبضم الأول وسكون الثاني وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب وبدنة وبدن ( فقال لصاحبه ) المؤمن ( وهو يحاوره ) يفاخره ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) عشيرة
35. ( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه أثمارها ولم يقل جنتيه إرادة للروضة وقيل اكتفاء بالواحد ( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر ( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم ( هذه أبدا )
36. ( وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي ) في الآخرة على زعمك ( لأجدن خيرا منها منقلبا ) مرجعا
37. ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجاوبه ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ) لأن آدم خلق منه ( ثم من نطفة ) مني ( ثم سواك ) عدلك وصيرك ( رجلا )
38. ( لكن ) أصله لكن أنا نقلت حركة الهمزة إلى النون أو حذفت الهمزة ثم ادغمت النون في مثلها ( هو ) ضمير الشأن تفسره الجملة بعده والمعنى أنا أقول ( الله ربي ولا أشرك بربي أحدا )
39. ( ولولا ) هلا ( إذ دخلت جنتك قلت ) عند إعجابك بها هذا ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) وفي الحديث من أعطي خيرا من مال أو أهل فيقول عند ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيه مكروها ( إن ترن أنا ) ضمير فصل بين المفعولين ( أقل منك مالا وولدا )
40. ( فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ) جواب الشرط ( ويرسل عليها حسبانا ) جمع حسبانة أي صواعق ( من السماء فتصبح صعيدا زلقا ) أرضا ملساء لا يثبت عليها قدم
41. ( أو يصبح ماؤها غورا ) بمعنى غائرا عطف على يرسل دون تصبح لأن غور الماء لا يتسبب عن الصواعق ( فلن تستطيع له طلبا ) حيلة تدركه بها
42. ( وأحيط بثمره ) بأوجه الضبط السابقة مع جنته بالهلاك فهلكت ( فأصبح يقلب كفيه ) ندما وتحسرا ( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثم سقط الكرم ( ويقول يا ) للتنبيه ( ليتني لم أشرك بربي أحدا )
43. ( ولم تكن ) بالتاء والياء ( له فئة ) جماعة ( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها ( وما كان منتصرا ) عند هلاكها بنفسه
44. ( هنالك ) أي يوم القيامة ( الولاية ) بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك ( لله الحق ) بالرفع صفة الولاية وبالجر صفة الجلالة ( هو خير ثوابا ) من ثواب غيره لو كان يثيب ( وخير عقبا ) بضم القاف وسكونها عاقبة المؤمنين ونصبهما على التمييز
45. ( واضرب ) صير ( لهم ) لقومك ( مثل الحياة الدنيا ) مفعول أول ( كماء ) مفعول ثان ( أنزلناه من السماء فاختلط به ) تكاثف بسبب نزول الماء ( نبات الأرض ) أو امتزج الماء بالنبات فروي وحسن ( فأصبح ) صار النبات ( هشيما ) يابسا متفرقة أجزاؤه ( تذروه ) تنثره وتفرقه ( الرياح ) فتذهب به المعنى شبه الدنيا بنبات حسن فيبس فتكسر ففرقته الرياح وفي قراءة الريح ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) قادرا
46. ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) يتجمل بهما فيها ( والباقيات الصالحات ) هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر زاد بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ( خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) أي ما يأمله الإنسان ويرجوه عند الله تعالى
47. واذكر ( ويوم نسير الجبال ) يذهب بها عن وجه الأرض فتصير هباء منبثا وفي قراءة بالنون وكسر الياء ونصب الجبال (وترى الأرض بارزة ) ظاهرة ليس عليها شيء من جبل ولا غيره ( وحشرناهم ) المؤمنين والكافرين ( فلم نغادر ) نترك ( منهم أحدا )
48. ( وعرضوا على ربك صفا ) حال أي مصطفين كل امة صف ويقال لهم ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) أي فرادى حفاة عراة عزلا ويقال لمنكري البعث ( بل زعمتم ) أن مخففة من الثقيلة أي أنه ( ألن نجعل لكم موعدا ) للبعث
49. ( ووضع الكتاب ) كتاب كل امرئ في يمينه من المؤمنين وفي شماله من الكافرين ( فترى المجرمين ) الكافرين ( مشفقين ) خائفين ( مما فيه ويقولون ) عند معاينتهم ما فيه من السيئات ( يا ) للتنبيه ( ويلتنا ) هلكتنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) من ذنوبنا ( إلا أحصاها ) عدها وأثبتها تعجبوا منه في ذلك ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) مثبتا في كتابهم ( ولا يظلم ربك أحدا ) لا يعاقبه بغير جرم ولا ينقص من ثواب مؤمن
50. ( وإذ ) منصوب باذكر ( قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود انحناء وضع جبهة تحية له ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) قيل هم نوع من الملائكة فالاستثناء متصل وقيل منقطع وإبليس هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه بعد والملائكة لا ذرية لهم ( ففسق عن أمر ربه ) أي خرج عن طاعته بترك السجود ( أفتتخذونه وذريته ) الخطاب لآدم وذريته والهاء في الموضعين لإبليس (أولياء من دوني ) تطيعونهم ( وهم لكم عدو ) أي أعداء ( بئس للظالمين بدلا ) إبليس وذريته في إطاعتهم بدل إطاعة الله
51. ( ما أشهدتهم ) أي إبليس وذريته ( خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) أي لم أحضر بعضهم خلق بعض ( وما كنت متخذ المضلين ) الشياطين ( عضدا ) أعوانا في الخلق فكيف تطيعونهم
52. ( ويوم ) منصوب باذكر ( يقول ) بالياء والنون ( نادوا شركائي ) الأوثان ( الذين زعمتم ) ليشفعوا لكم بزعمكم ( فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ) لم يجيبوهم ( وجعلنا بينهم ) وبين الأوثان وعابديها ( موبقا ) واديا من أودية جهنم يهلكون فيه جميعا وهو من وبق بالفتح هلك
53. ( ورأى المجرمون النار فظنوا ) أي أيقنوا ( أنهم مواقعوها ) أي واقعون فيها ( ولم يجدوا عنها مصرفا ) معدلا
54. ( ولقد صرفنا ) بينا ( في هذا القرآن للناس من كل مثل ) صفة لمحذوف أي مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا ( وكان الإنسان ) أي الكافر ( أكثر شيء جدلا ) خصومة في الباطل وهو تمييز منقول من اسم كان المعنى وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه
55. ( وما منع الناس ) أي كفار مكة ( أن يؤمنوا ) مفعول ثان ( إذ جاءهم الهدى ) القرآن ( ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين ) فاعل أي سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدر عليهم ( أو يأتيهم العذاب قبلا ) مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر وفي قراءة بضمتين جمع قبيل أي أنواعا
56. ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ) للمؤمنين ( ومنذرين ) مخوفين للكافرين ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ) بقولهم أبعث الله بشرا رسولا ونحوه ( ليدحضوا به ) ليبطلوا بجدالهم ( الحق ) القرآن ( واتخذوا آياتي ) أي القرآن ( وما أنذروا ) به من النار (هزوا ) سخرية
57. ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ) ما عمل من الكفر والمعاصي ( إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية ( أن يفقهوه ) أي من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه ( وفي آذانهم وقرا ) ثقلا فلا يسمعونه ( وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا ) أي بالجعل المذكور ( أبدا )
58. ( وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم ) في الدنيا ( بما كسبوا لعجل لهم العذاب ) فيها ( بل لهم موعد ) وهو يوم القيامة (لن يجدوا من دونه موئلا ) ملجأ
59. ( وتلك القرى ) أي أهلها كعاد وثمود وغيرهما ( أهلكناهم لما ظلموا ) كفروا ( وجعلنا لمهلكهم ) لإهلاكهم وفي قراءة بفتح الميم أي لهلاكهم ( موعدا )
60. واذكر ( وإذ قال موسى ) هو ابن عمران ( لفتاه ) يوشع بن نون كان يتبعه ويخدمه ويأخذ عنه العلم ( لا أبرح ) لا أزال أسير ( حتى أبلغ مجمع البحرين ) ملتقى بحر الروم وبحر فارس مما يلي المشرق أي المكان الجامع لذلك ( أو أمضي حقبا ) دهرا طويلا في بلوغه إن بعد
61. ( فلما بلغا مجمع بينهما ) بين البحرين ( نسيا حوتهما ) نسي يوشع حمله عند الرحيل ونسي موسى تذكيره ( فاتخذ ) الحوت ( سبيله في البحر ) أي جعله بجعل الله ( سربا ) أي مثل السرب وهو الشق الطويل لانفاذ له وذلك أن الله تعالى أمسك عن الحوت جري الماء فانجاب عنه فبقي كالكوة لم يلتئم وجمد ما تحته منه
62. ( فلما جاوزا ) ذلك المكان بالسير إلى وقت الغداء من ثاني يوم ( قال ) موسى ( لفتاه آتنا غداءنا ) هو ما يؤكل أول النهار ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) تعبا وحصوله بعد المجاوزة
63. ( قال أرأيت ) أي تنبه ( إذ أوينا إلى الصخرة ) بذلك المكان ( فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان ) يبدل من الهاء ( أن أذكره ) بدل اشتمال أي أنساني ذكره ( واتخذ ) الحوت ( سبيله في البحر عجبا ) مفعول ثان أي يتعجب منه موسى وفتاه لما تقدم في بيانه
64. ( قال ) موسى ( ذلك ) أي فقدنا الحوت ( ما ) أي الذي ( كنا نبغ ) نطلبه فإنه علامة لنا على وجود من نطلبه (فارتدا ) رجعا ( على آثارهما ) يقصانها ( قصصا ) فأتيا الصخرة
65. ( فوجدا عبدا من عبادنا ) هو الخضر ( آتيناه رحمة من عندنا ) نبوة في قول وولاية في آخر وعليه أكثر العلماء (وعلمناه من لدنا ) من قبلنا ( علما ) مفعول ثان أي معلوما من المغيبات روى البخاري حديث أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة ووضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جريه بالماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغداة قال موسى لفتاه آتنا غداءنا إلى قوله واتخذ سبيله في البحر عجبا قال وكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا الخ
66. ( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ) أي صوابا ارشد به وفي قراءة بضم الراء وسكون الشين وسأله ذلك لأن الزيادة في العلم مطلوبة
67. ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا )
68. ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) في الحديث السابق عقب هذه الآية يا موسى إني على علم من الله علمنية لا تعلمه وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه وقوله خبرا مصدر بمعنى لم تحط أي لم تخبر حقيقته
69. ( قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي ) أي وغير عاص ( لك أمرا ) تأمرني به وقيد بالمشيئة لأنه لم يكن على ثقة من نفسه فيما التزم وهذه عادة الأنبياء والأولياء أن لا يثقوا بأنفسهم طرفة عين
70. ( قال فإن اتبعتني فلا تسألني ) وفي قراءة بفتح اللام وتشديد النون ( عن شيء ) تنكره مني في علمك واصبر ( حتى أحدث لك منه ذكرا ) أي أذكره لك بعلته فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم
71. ( فانطلقا ) يمشيان على ساحل البحر ( حتى إذا ركبا في السفينة ) التي مرت بهما ( خرقها ) الخضر بأن اقتلع لوحا أو لوحين منها من جهة البحر بفأس لما بلغت اللجج ( قال ) له موسى ( أخرقتها لتغرق أهلها ) وفي قراءة بفتح التحتية والراء ورفع أهلها ( لقد جئت شيئا إمرا ) أي عظيما منكرا روي أن الماء لم يدخلها
72. ( قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا )
73. ( قال لا تؤاخذني بما نسيت ) أي غفلت عن التسليم لك وترك الإنكار عليك ( ولا ترهقني ) تكلفني ( من أمري عسرا) مشقة في صحبتي إياك أي عاملني فيها بالعفو واليسر
74. ( فانطلقا ) بعد خروجهما من السفينة يمشيان ( حتى إذا لقيا غلاما ) لم يبلغ الحنث يلعب مع الصبيان أحسنهم وجها ( فقتله ) الخضر بأن ذبحه بالسكين أو اقتلع رأسه بيده أو ضرب رأسه بالجدار أقوال وأتى هنا بالفاء العاطفة لأن القتل عقب اللقاء وجواب إذا ( قال ) موسى ( أقتلت نفسا زكية ) أي طاهرة لم تبلغ حد التكليف وفي قراءة ذكية بتشديد الياء بلا ألف ( بغير نفس ) أي لم تقتل نفسا ( لقد جئت شيئا نكرا ) بسكون الكاف وضمها أي منكرا