تفسير الجلالين للقران الكريم أجزاء.. 4


تفسير الجلالين  للقران الكريم أجزاء.. 4


الجزء الرابع

93. ونزل لما قال اليهود إنك تزعم أنك على ملة إبراهيم وكان لا يأكل لحوم الإبل وألبانها: ( كلُّ الطعام كان حِلاً ) حلالاً (لبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل ) يعقوب ( على نفسه ) وهو الإبل لما حصل له عرق النسا بالفتح والقصر فنذر إن شفي لا يأكلها فحُرِّم عليه ( من قبل أن تنزل التوراة ) وذلك بعد إبراهيم ولم تكن على عهده حراما كما زعموا ( قل ) لهم ( فأتوا بالتوراة فاتلوها ) ليتبين صدق قولكم ( إن كنتم صادقين ) فيه فبهتوا ولم يأتوا بها قال تعالى:
94. ( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك ) أي ظهور الحجة بأن التحريم إنما كان من جهة يعقوب لا على عهد إبراهيم (فأولئك هم الظالمون ) المتجاوزون الحق إلى الباطل
95. ( قل صدق الله ) في هذا كجميع ما أخبر به ( فاتبعوا ملة إبراهيم ) التي أنا عليها ( حنيفاً ) مائلاً عن كل دين إلى الإسلام ( وما كان من المشركين )
96. ونزل لما قالوا قبلتنا قبل قبلتكم ( إن أول بيت وضع ) مُتعَبدَّاً ( للناس ) في الأرض ( للذي ببكة ) بالباء لغة في مكة سميت بذلك لأنها تَبُكُّ أعناق الجبابرة أي تدقها ، بناه الملائكة قبل خلق آدم ووضع بعده الأقصى وبينهما أربعون سنة كما في حديث الصحيحين وفي حديث « أنه أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة بيضاء فدحيت الأرض من تحته » (مباركاً ) حال من الذي أي ذا بركة ( وهدى للعالمين ) لأنه قبلتهم
97. ( فيه آيات بينات ) منها ( مقام إبراهيم ) أي الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت فأثر قدماه فيه وبقي إلى الآن مع تطاول الزمان وتداول الأيدي عليه ومنها تضعيف الحسنات فيه وأن الطير لا يعلوه ( ومن دخله كان آمنا ) لا يتعرض إليه بقتل أو ظلم أو غير ذلك ( ولله على الناس حِجُّ البيت ) واجب بكسر الحاء وفتحها لغتان في مصدر حج قصد ويبدل من الناس ( من استطاع إليه سبيلاً ) طريقاً فسَّرَه صلى الله عليه وسلم بالزاد والراحلة رواه الحاكم وغيره ( ومن كفر ) بالله أو بما فرضه من الحج ( فإن الله غني عن العالمين ) الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم
98. ( قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ) القرآن ( والله شهيد على ما تعملون ) فيجازيكم عليه
99. ( قل يا أهل الكتاب لم تصدون ) تصرفون ( عن سبيل الله ) أي دينه ( من آمن ) بتكذيبكم النبي وكتم نعمته (تبغونها ) أي تطلبون السبيل ( عِوَجاً ) مصدر بمعنى معوجة أي مائلة عن الحق ( وأنتم شهداء ) عالمون بأن الدين المرضي القيم دين الإسلام كما في كتابكم ( وما الله بغافل عما تعملون ) من الكفر والتكذيب وإنما يؤخركم إلى وقتكم ليجازيكم
100. ونزل لما مر بعض اليهود على الأوس والخزرج وغاظهم تألفهم فذكروهم بما كان بينهم في الجاهلية من الفتن فتشاجروا وكادوا يقتتلون: ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين )
101. ( وكيف تكفرون ) استفهام تعجب وتوبيخ ( وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم ) يتمسك ( بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم )
102. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فقالوا يا رسول الله و من يقوى على هذا فنسخ بقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) موحدون
103. ( واعتصموا ) تمسكوا ( بحبل الله ) أي دينه ( جميعا ولا تفرقوا ) بعد الإسلام ( واذكروا نعمة الله ) إنعامه ( عليكم ) يا معشر الأوس والخزرج ( إذ كنتم ) قبل الإسلام ( أعداءً فألف ) جمع ( بين قلوبكم ) بالإسلام ( فأصبحتم ) فصرتم (بنعمته إخواناً ) في الدين والولاية ( وكنتم على شفا ) طرف ( حفرة من النار ) ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفاراً ( فأنقذكم منها ) بالإيمان ( كذلك ) كما بين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون )
104. ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) الإسلام ( ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك ) الداعون الآمرون الناهون (هم المفلحون ) الفائزون ، ومن للتبعيض لأن ما ذكر فرض كفاية لا يلزم كل الأمة ولا يليق بكل أحد كالجاهل. وقيل زائدة أي لتكونوا أمة.
105. ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا ) عن دينهم ( واختلفوا ) فيه ( من بعد ما جاءهم البينات ) وهم اليهود والنصارى ( وأولئك لهم عذاب عظيم )
106. ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) أي يوم القيامة ( فأما الذين اسودت وجوههم ) وهم الكافرون فيلقون في النار ويقال لهم توبيخا ( أكفرتم بعد إيمانكم ) يوم أخذ الميثاق ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )
107. ( وأما الذين ابيضت وجوههم ) وهم المؤمنون ( ففي رحمة الله ) أي جنته ( هم فيها خالدون )
108. ( تلك ) أي هذه الآيات ( آيات الله نتلوها عليك ) يا محمد ( بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ) بأن يأخذهم بغير جرم
109. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) مُلكاً وخلقاً وعبيداً ( وإلى الله تُرجع ) تصير ( الأمور )
110. ( كنتم ) يا أمة محمد في علم الله تعالى ( خير أمة أخرجت ) أظهرت ( للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان ) الإيمان ( خيراً لهم منهم المؤمنون ) كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه ( وأكثرهم الفاسقون ) الكافرون
111. ( لن يضروكم ) أي اليهود يا معشر المسلمين بشيء ( إلا أذى ) باللسان من سب ووعيد ( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ) منهزمين ( ثم لا ينصرون ) عليكم بل لكم النصر عليهم
112. ( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا ) حيثما وجدوا فلا عز لهم ولا اعتصام ( إلا ) كائنين ( بحبل من الله وحبل من الناس ) المؤمنين وهو عهدهم إليهم بالأمان على أداء الجزية أي لا عصمة لهم غير ذلك ( وباؤوا ) رجعوا ( بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم ) أي بسبب أنهم ( كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك ) تأكيد ( بما عصوا ) أمر الله ( وكانوا يعتدون ) يتجاوزون الحلال إلى الحرام
113. ( ليسوا ) أي أهل الكتاب ( سواء ) مستوين ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) مستقيمة ثابتة على الحق كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وعن أصحابه ( يتلون آيات الله آناء الليل ) أي في ساعاته ( وهم يسجدون ) يصلون ، حال.
114. ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك ) الموصوفون بما ذكر الله ( من الصالحين ) ومنهم من ليسوا كذلك وليسوا من الصالحين
115. ( وما تفعلوا ) بالتاء أيتها الأمة والياء أي الأمة القائمة ( من خير فلن تكفروه ) بالوجهين أي يعدموا ثوابه بل يجازون عليه ( والله عليم بالمتقين )
116. ( إن الذين كفروا لن تغني ) تدفع ( عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ) أي من عذابه ( شيئاً ) وخصهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
117. ( مثل ) صفة ( ما ينفقون ) أي الكفار ( في هذه الحياة الدنيا ) في عداوة النبي من صدقة ونحوها ( كمثل ريح فيها صِرٌّ ) حر أو برد شديد ( أصابت حرث ) زرع ( قوم ظلموا أنفسهم ) بالكفر والمعصية ( فأهلكته ) فلم ينتفعوا به فكذلك نفقاتهم ذاهبة لا ينتفعون بها ( وما ظلمهم الله ) بضياع نفقاتهم ( ولكن أنفسهم يظلمون ) بالكفر الموجب لضياعها
118. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بِطانة ) أصفياء تطلعونهم على سركم ( من دونكم ) أي غيركم من اليهود والنصارى والمنافقين ( لا يألونكم خبالا ) نصب بنزع الخافض أي لا يقصرون لكم في الفساد ( وَدُّوا ) تمنوا ( ما عنتُّم ) أي عنتكم وهو شدة الضرر ( قد بدت ) ظهرت ( البغضاء ) العداوة لكم ( من أفواههم ) بالوقيعة فيكم وإطلاع المشركين على سركم ( وما تخفي صدورهم ) من العداوة ( أكبر قد بينا لكم الآيات ) على عداوتهم ( إن كنتم تعقلون ) ذلك فلا توالوهم
119. ( ها ) للتنبيه ( أنتم ) يا ( أولاء ) المؤمنين ( تحبونهم ) لقرابتهم منكم وصداقتهم ( ولا يحبونكم ) لمخالفتهم لكم في الدين ( وتؤمنون بالكتاب كله ) أي بالكتب كلها ولا يؤمنون بكتابكم ( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل ) أطراف الأصابع ( من الغيظ ) شدة الغضب لما يرون من ائتلافكم ، ويعبر عن شدة الغضب بعض الأنامل مجازا وإن لم يكن ثم عض ( قل موتوا بغيظكم ) أي ابقوا عليه إلى الموت فلن تروا ما يسركم ( إن الله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب ومنه ما يضمره هؤلاء
120. ( إن تمسسكم ) تصبكم ( حسنة ) نعمة كنصر وغنيمة ( تسؤهم ) تحزنهم ( وإن تصبكم سيئة ) كهزيمة وجدب ( يفرحوا بها ) وجملة الشرط متصلة بالشرط قبل وما بينهما اعتراض والمعنى أنهم متناهون في عداوتكم فلم توالوهم فاجتنبوهم ( وإن تصبروا ) على أذاهم ( وتتقوا ) الله في موالاتهم وغيرها ( لا يَضِرْكم ) بكسر الضاد وسكون الراء وضمها وتشديدها ( كيدهم شيئا إن الله بما يعملون ) بالياء والتاء ( محيط ) عالم فيجازيهم به
121. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ غدوت من أهلك ) من المدينة ( تبوئ ) تنزل ( المؤمنين مقاعد ) مراكز يقفون فيها ( للقتال والله سميع ) لأقوالكم ( عليم ) بأحوالكم ، وهو يوم أُحد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بألف أو إلا خمسين رجلاً والمشركون ثلاثة آلاف ونزل بالشعب يوم السبت سابع شوال سنة ثلاثة من الهجرة وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وسوى صفوفهم وأجلس جيشاً من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير بسفح الجبل وقال: أنضحوا عنا بالنبل لا يأتوا من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا
122. ( إذ ) بدل من إذ قبله ( همت ) بنو سلِمة وبنو حارثة جناحا العسكر ( طائفتان منكم أن تفشلا ) تجبنا عن القتال وترجعا لما رجع عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا وقال لأبي جابر السلمي القائل له أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم: لو نعلم قتالا لاتبعناكم فثبتهما الله ولم ينصرفا ( والله وليهما ) ناصرهما ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ليثقوا به دون غيره
123. ونزل لما هزموا تذكيراً لهم بنعمة الله: ( ولقد نصركم الله ببدر ) موضع بين مكة والمدينة ( وأنتم أذلة ) بقلة العدد والسلاح ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) نعمه
124. ( إذ ) ظرف لنصركم ( تقول للمؤمنين ) توعدهم تطمينا ( ألن يكفيكم أن يمدكم ) يعينكم ( ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين ) بالتخفيف والتشديد
125. ( بلى ) يكفيكم ذلك ، وفي الأنفال بألْف لأنه أمدهم أولا بها ثم صارت ثلاثة ثم صارت خمسة كما قال تعالى ( إن تصبروا ) على لقاء العدو ( وتتقوا ) الله في المخالفة ( ويأتوكم ) أي المشركون ( من فورهم ) وقتهم ( هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين ) بكسر الواو وفتحها أي معلَّمين وقد صبروا وأنجز الله وعده بأن قاتلت معهم الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر أو بيض أرسلوها بين أكتافهم
126. ( وما جعله الله ) أي الإمداد ( إلا بشرى لكم ) بالنصر ( ولتطمئن ) تسكن ( قلوبكم به ) فلا تجزع من كثرة العدو وقلتكم ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) يؤتيه من يشاء وليس بكثرة الجند
127. ( ليقطع ) متعلق بنَصَرَكم أي ليهلك ( طرفاً من الذين كفروا ) بالقتل والأسر ( أو يكبتهم ) يذلهم بالهزيمة ( فينقلبوا ) يرجعوا ( خائبين ) لم ينالوا ما راموه
128. ولما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد وقال: « كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم »نزلت: ( ليس لك من الأمر شيء ) بل الأمر لله فاصبر ( أو ) بمعنى إلى أن ( يتوب عليهم ) بالإسلام ( أو يعذبهم فإنهم ظالمون) بالكفر
129. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً ( يغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه ( والله غفور ) لأوليائه ( رحيم ) بأهل طاعته
130. ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ) بألف و دونها بأن تزيدوا في المال عند حلول الأجل وتؤخروا الطلب ( واتقوا الله ) بتركه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
131. ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) أن تعذبوا بها
132. ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )
133. ( وسارعوا ) بواو ودونها ( إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض ) أي كعرضهما لو وصلت إحداهما بالأخرى ، والعرض السعة ( أعدت للمتقين ) الله بعمل الطاعات وترك المعاصي
134. ( الذين ينفقون ) في طاعة الله ( في السراء والضراء ) اليسر والعسر ( والكاظمين الغيظ ) الكافين عن إمضائه مع القدرة ( والعافين عن الناس ) ممن ظلمهم أي التاركين عقوبتهم ( والله يحب المحسنين ) بهذه الأفعال ، أي يثيبهم
135. ( والذين إذا فعلوا فاحشة ) ذنباً قبيحاً كالزنا ( أو ظلموا أنفسهم ) بما دونه كالقبلة ( ذكروا الله ) أي وعيده (فاستغفروا لذنوبهم ومن ) أي لا ( يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا ) يداوموا ( على ما فعلوا ) بل أقلعوا عنه ( وهم يعلمون ) أن الذي أتوه معصية
136. ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) حال مقدرة ، أي مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها ( ونعم أجر العاملين ) بالطاعة هذا الأجر
137. ونزل في هزيمة أحد: ( قد خلت ) مضت ( من قبلكم سنن ) طرائق في الكفار بإمهالهم ثم أخذهم ( فسيروا ) أيها المؤمنون ( في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فلا تحزنوا لغلبتهم فأنا أمهلهم لوقتهم
138. ( هذا ) القرآن ( بيان للناس ) كلهم ( وهدى ) من الضلالة ( وموعظة للمتقين ) منهم
139. ( ولا تهنوا ) تضعفوا عن قتال الكفار ( ولا تحزنوا ) على ما أصابكم بأحد ( وأنتم الأعلون ) بالغلبة عليهم ( إن كنتم مؤمنين) حقاً وجوابه دل عليه مجموع ما قبله
140. ( إن يمسسكم ) يصبكم بأُحُد ( قَرح ) بفتح القاف وضمها: جهد من جرح ونحوه ( فقد مس القوم ) الكفار ( قرح مثله ) ببدر ( وتلك الأيام نداولها ) نصرفها ( بين الناس ) يوما لفرقة ويوما لأخرى ليتعظوا ( وليعلم الله ) علم ظهور ( الذين آمنوا ) أخلصوا في إيمانهم من غيرهم ( ويتخذ منكم شهداء ) يكرمهم بالشهادة ( والله لا يحب الظالمين ) الكافرين أي يعاقبهم وما ينعم به عليهم استدراج
141. ( وليمحص الله الذين آمنوا ) يطهرهم من الذنوب بما يصيبهم ( ويمحق ) يهلك ( الكافرين )
142. ( أم ) بل أ ( حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ) لم ( يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) علم ظهور ( ويعلم الصابرين ) في الشدائد
143. ( ولقد كنتم تمنَّون ) فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ( الموت من قبل أن تلقوه ) حيث قلتم: ليت لنا يوما كيوم بدر لننال ما نال شهداؤه ( فقد رأيتموه ) أي سببه الحرب ( وأنتم تنظرون ) أي بصراء تتأملون الحال كيف هي فلم انهزمتم ؟ ونزل في هزيمتهم لما أشيع أن النبي قتل وقال لهم المنافقون إن كان قتل فارجعوا إلى دينكم:
144. ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ) كغيره ( انقلبتم على أعقابكم ) رجعتم إلى الكفر ، والجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري أي ما كان معبودا فترجعوا ( ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ) وإنما يضر نفسه ( وسيجزي الله الشاكرين ) نعمه بالثبات
145. ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) بقضائه ( كتاباً ) مصدر أي: كتب الله ذلك ( مؤجلاً ) مؤقتاً لا يتقدم ولا يتأخر فلم انهزمتم! والهزيمة لا تدفع الموت والثبات لا يقطع الحياة ( ومن يرد ) بعمله ( ثواب الدنيا ) أي جزاءه منها ( نؤته منها) ما قسم له ولاحظ له في الآخرة ( ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ) أي من ثوابها ( وسنجزي الشاكرين )
146. ( وكأين ) كم ( من نبي قاتل ) وفي قراءة { قتل } والفاعل ضميره ( معه ) خبر مبتدؤه ( رِبِّيُون كثير ) جموع كثيرة ( فما وهنوا ) جبنوا ( لما أصابهم في سبيل الله ) من الجراد وقتل أنبيائهم وأصحابهم ( وما ضعفوا ) عن الجهاد ( وما استكانوا ) خضعوا لعدوهم كما فعلتم حين قيل قتل النبي ( والله يحب الصابرين ) على البلاء أي يثيبهم
147. ( وما كان قولهم ) عند قتل نبيهم مع ثباتهم وصبرهم ( إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا ) تجاوزنا الحد ( في أمرنا ) إيذاناً بأن ما أصابهم لسوء فعلهم وهضماً لأنفسهم ( وثبت أقدامنا ) بالقوة على الجهاد ( وانصرنا على القوم الكافرين)
148. ( فآتاهم الله ثواب الدنيا ) النصر والغنيمة ( وحسن ثواب الآخرة ) أي الجنة ، وحسنه التفضيل فوق الاستحقاق ( والله يحب المحسنين )
149. ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ) فيما يأمرونكم به ( يردوكم ) إلى الكفر ( على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين )
150. ( بل الله مولاكم ) ناصركم ( وهو خير الناصرين ) فأطيعوه دونهم
151. ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعْب ) بسكون العين وضمها الخوف ، وقد عزموا بعد ارتحالهم من أحد على العود واستئصال المسلمين فرعبوا ولم يرجعوا ( بما أشركوا ) بسبب إشراكهم ( بالله ما لم ينزل به سلطانا ) حجة على عبادته وهو الأصنام ( ومأواهم النار وبئس مثوى ) مأوى ( الظالمين ) الكافرين هي
152. ( ولقد صدقكم الله وعده ) إياكم بالنصر ( إذ تحسونهم ) تقتلونهم ( بإذنه ) بإرادته ( حتى إذا فشلتم ) جبنتم عن القتال ( وتنازعتم ) اختلفتم ( في الأمر ) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمقام في سفح الجبل للرمي فقال بعضكم: نذهب فقد نصر أصحابنا ، وبعضكم: لا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ( وعصيتم ) أمره فتركتم المركز لطلب الغنيمة ( من بعد ما أراكم ) الله ( ما تحبون ) من النصر وجواب إذا دل عليه ما قبله أي منعكم نصره ( منكم من يريد الدنيا ) فترك المركز للغنيمة ( ومنكم من يريد الآخرة ) فثبت به حتى قتل كعبد الله بن جبير وأصحابه ( ثم صرفكم ) عطف على جواب إذا المقدر ، رَدَّكم بالهزيمة ( عنهم ) أي الكفار ( ليبتليكم ) ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره ( ولقد عفا عنكم ) ما ارتكبتموه ( والله ذو فضل على المؤمنين ) بالعفو
153. اذكروا ( إذ تصعدون ) تبعدون في الأرض هاربين ( ولا تلوون ) تعرجون ( على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ) أي من ورائكم يقول: إليَّ عباد الله ( فأثابكم ) فجازاكم ( غمَّا ) بالهزيمة ( بغمٍّ ) بسبب غمكم للرسول بالمخالفة وقيل الباء بمعنى على ، أي مضاعفا على غم فوت الغنيمة ( لكيلا ) متعلق بعفا أو بأثابكم ( تحزنوا على ما فاتكم ) من الغنيمة ( ولا ما أصابكم ) من القتل والهزيمة ( والله خبير بما تعملون )
154. ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنةً ) أمناً ( نعاساً ) بدل ( يغشى ) بالياء والتاء ( طائفةً منكم ) وهم المؤمنون فكانوا يميدون تحت الحجف وتسقط السيوف منهم ( وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم ) أي حملتهم على الهم فلا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي وأصحابه فلم يناموا وهم المنافقون ( يظنون بالله ) ظناً ( غير ) الظن ( الحق ظن ) أي كظن ( الجاهلية ) حيث اعتقدوا أن النبي قتل أو لا ينصر ( يقولون هل ) ما ( لنا من الأمر ) أي النصر الذي وعدناه ( من ) زائدة ( شيء قل ) لهم ( إن الأمر كله ) بالنصب توكيداً والرفع مبتدأ وخبره ( لله ) أي القضاء له يفعل ما يشاء ( يخفون في أنفسهم ما لا يبدون ) يظهرون ( لك يقولون) بيان لما قبله ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ) أي لو كان الاختيار إلينا لم نخرج فلم نقتل لكن أخرجنا كرها ( قل) لهم ( لوكنتم في بيوتكم ) وفيكم من كتب الله عليه القتل ( لبرز ) خرج ( الذين كتب ) قضي ( عليهم القتل ) منكم ( الى مضاجعهم ) مصارعهم فيقتلوا ولم ينجهم قعودهم لأن قضاءه تعالى كائن لا محالة ( و ) فعل ما فعل بأحد ( ليبتلي ) يختبر ( الله ما في صدوركم ) قلوبكم من الإخلاص والنفاق ( وليمحص ) يميز ( ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب لا يخفى عليه شيء وإنما يبتلي ليظهر للناس
155. ( إن الذين تولوا منكم ) عن القتال ( يوم التقى الجمعان ) جمع المسلمين وجمع الكفار بأحد وهم المسلمون إلا اثنى عشر رجلاً ( إنما استزلهم ) أزلهم ( الشيطان ) بوسوسته ( ببعض ما كسبوا ) من الذنوب وهو مخالفة أمر النبي ( ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور ) للمؤمنين ( حليم ) لا يعجل على العصاة
156. ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ) أي المنافقين ( وقالوا لإخوانهم ) أي في شأنهم ( إذا ضربوا ) سافروا (في الأرض ) فماتوا ( أو كانوا غُزَّىً ) جمع غاز ، فقتلوا ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) أي لا تقولوا كقولهم ( ليجعل الله ذلك ) القول في عاقبة أمرهم ( حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت ) فلا يمنع عن الموت قعود ( والله بما تعملون ) بالتاء والياء ( بصير ) فيجازيكم به
157. ( ولئن ) لام قسم ( قتلتم في سبيل الله ) أي الجهاد ( أو مُتم ) بضم الميم وكسرها من مات يموت أتاكم الموت فيه (لمغفرة ) كائنة ( من الله ) لذنوبكم ( ورحمة ) منه لكم على ذلك واللام ومدخولها جواب القسم وهي موضع الفعل مبتدأ خبره ( خير مما تجمعون ) من الدنيا بالتاء والياء
158. ( ولئن ) لام قسم ( مُتم ) بالوجهين ( أو قتلتم ) في الجهاد وغيره ( لإلى الله ) لا إلى غيره ( تحشرون ) في الآخرة فيجازيكم
159. ( فبما رحمة من الله لنت ) يا محمد ( لهم ) أي سهلت أخلاقك إذ خالفوك ( ولو كنت فظاً ) سيِّء الأخلاق ( غليظ القلب ) جافيا فأغلظت لهم ( لانفضوا ) تفرقوا ( من حولك فاعف ) تجاوز ( عنهم ) ما أتوه ( واستغفر لهم ) ذنبهم حتى أغفر لهم ( وشاورهم ) استخرج آراءهم ( في الأمر ) أي شأنك من الحرب وغيره تطييبا لقلوبهم وليستن بك وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم ( فإذا عزمت ) على إمضاء ما تريد بعد المشاورة ( فتوكل على الله ) ثق بعد المشاورة ( إن الله يحب المتوكلين ) عليه
160. ( إن ينصركم الله ) يعنكم على عدوكم كيوم بدر ( فلا غالب لكم وإن يخذلكم ) يترك نصركم كيوم أحد ( فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) أي بعد خذلانه أي لا ناصر لكم ( وعلى الله ) لا غيره ( فليتوكل ) ليثق ( المؤمنون )
161. ونزلت لما فقدت قطيفة حمراء يوم أحد فقال بعض الناس: لعل النبي أخذها ( وما كان ) ما ينبغي ( لنبي أن يَغُل ) يخون في الغنيمة فلا تظنوا به ذلك ، وفي قراءة بالبناء للمفعول أن ينسب إلى الغلول ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) حاملاً له على عنقه ( ثم توفى كل نفس ) الغال وغيره جزاء ( ما كسبت ) عملت ( وهم لا يظلمون ) شيئا
162. ( أفمن اتبع رضوان الله ) فأطاع ولم يغل ( كمن باء ) رجع ( بسخط من الله ) لمعصيته وغلوله ( ومأواه جهنم وبئس المصير ) أي المرجع ؟ والجواب: لا
163. ( هم درجات ) أي أصحاب درجات ( عند الله ) أي مختلفو المنازل فلمن اتبع رضوانه الثواب ولمن باء بسخطه العقاب ( والله بصير بما يعملون ) فيجازيهم به
164. ( لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) أي عربيا مثلهم ليفهموا عنه ويشرفوا به لا ملكاً ولا أعجمياً ( يتلو عليهم آياته ) القرآن ( ويزكيهم ) يطهرهم من الذنوب ( ويعلمهم الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) السنة ( وإن ) مخففة أي إنهم ( كانوا من قبل ) أي قبل بعثه ( لفي ضلال مبين ) بيِّن
165. ( أو لما أصابتكم مصيبة ) بأحد بقتل سبعين منكم ( قد أصبتم مثليها ) ببدر بقتل سبعين وأسر سبعين منهم ( قلتم ) متعجبين ( أنى ) من أين لنا ( هذا ) الخذلان ونحن مسلمون ورسول الله فينا ، الجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري ( قل ) لهم ( هو من عند أنفسكم ) لأنكم تركتم المركز فخذلتم ( إن الله على كل شيء قدير ) ومنه النصر ومنعه وقد جازاكم بخلافكم
166. ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان ) بأحد ( فبإذن الله ) بإرادته ( وليعلم ) الله علم ظهور ( المؤمنين ) حقاً
167. ( وليعلم الذين نافقوا و ) الذين ( قيل لهم ) لما انصرفوا عن القتال وهم عبد الله بن أبي وأصحابه ( تعالوا قاتلوا في سبيل الله ) أعداءه ( أو ادفعوا ) عنا القوم بتكثير سوادكم إن لم تقاتلوا ( قالوا لو نعلم ) نحسن ( قتالاً لاتبعناكم ) قال تعالى تكذيبا لهم: ( هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) بما أظهروا من خذلانهم للمؤمنين وكانوا قبل أقرب إلى الإيمان من حيث الظاهر ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ) ولو علموا قتالاً لم يتبعوكم ( والله أعلم بما يكتمون ) من النفاق
168. ( الذين ) بدل من الذين قبله أو نعت ( قالوا لإخوانهم ) في الدين ( و ) قد ( قعدوا ) عن الجهاد ( لو أطاعونا ) أي شهداء أحد أو إخواننا في القعود ( ما قتلوا قل ) لهم ( فادرؤوا ) ادفعوا ( عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) في أن القعود ينجي منه
169. ونزل في الشهداء: ( ولا تحسبن الذين قتلوا ) بالتخفيف والتشديد ( في سبيل الله ) أي لأجل دينه ( أمواتاً بل ) هم ( أحياء عند ربهم ) أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت كما ورد في الحديث ( يرزقون ) يأكلون من ثمار الجنة
170. ( فرحين ) حال من ضمير يرزقون ( بما آتاهم الله من فضله و ) هم ( ويستبشرون ) يفرحون ( بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) من إخوانهم المؤمنين ويبدل من الذين ( أ ) ن أي بأن ( لاخوف عليهم ) أي الذين لم يلحقوا بهم ( ولا هم يحزنون ) في الآخرة المعنى يفرحون بأمنهم وفرحهم
171. ( يستبشرون بنعمة ) ثواب ( من الله وفضل ) زيادة عليه ( وأن ) بالفتح عطفا على نعمة وبالكسر استئنافا ( الله لا يضيع أجر المؤمنين ) بل يأجرهم
172. ( الذين ) مبتدأ ( استجابوا لله والرسول ) دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان وأصحابه العود وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سوق بدر العام المقبل من يوم أحد ( من بعد ما أصابهم القرح ) بأحد وخبر المبتدأ ( للذين أحسنوا منهم) بطاعته ( واتقوا ) مخالفته ( أجر عظيم ) هو الجنة
173. ( الذين ) بدل من الذين قبله أو نعت ( قال لهم الناس ) أي نعيم بن مسعود الأشجعي ( إن الناس ) أبا سفيان وأصحابه ( قد جمعوا لكم ) الجموع ليستأصلوكم ( فاخشوهم ) ولا تأتوهم ( فزادهم ) ذلك القول ( إيماناً ) تصديقاً بالله ويقيناً (وقالوا حسبنا الله ) كافينا أمرهم ( ونعم الوكيل ) المفوض إليه الأمر هو ، وخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فوافوا سوق بدر وألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان وأصحابه فلم يأتوا وكان معهم تجارات فباعوا وربحوا قال الله تعالى:
174. ( فانقلبوا ) رجعوا من بدر ( بنعمة من الله وفضل ) بسلامة وربح ( لم يمسسهم سوء ) من قتل أو جرح ( واتبعوا رضوان الله ) بطاعته وطاعة رسوله في الخروج ( والله ذو فضل عظيم ) على أهل طاعته
175. ( إنما ذلكم ) أي القائل لكم إن الناس الخ ( الشيطان يخوفـِّ ) ـكم ( أولياءه ) الكفار ( فلا تخافوهم وخافون ) في ترك أمري ( إن كنتم مؤمنين ) حقا
176. ( ولا يُحزِنك ) بضم الياء وكسر الزاي و بفتحها و ضم الزاي من حزنه لغة في أحزنه ( الذين يسارعون في الكفر ) يقعون فيه سريعاً بنصرته وهم أهل مكة أو المنافقون أي لا تهتم لكفرهم ( إنهم لن يضروا الله شيئا ) بفعلهم وإنما يضرون أنفسهم (يريد الله ألا يجعل لهم حظاً ) نصيباً ( في الآخرة ) أي الجنة فلذلك خذلهم الله ( ولهم عذاب عظيم ) في النار
177. ( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ) أي أخذوه بدله ( لن يضروا الله ) بكفرهم ( شيئا ولهم عذاب أليم ) مؤلم
178. ( ولا يحسبن ) بالياء والتاء ( الذين كفروا أنما نملي ) أي إملاءنا ( لهم ) بتطويل الأعمار وتأخيرهم ( خير لأنفسهم ) وأن ومعمولاها سدت مسد المفعولين في قراءة التحتانية ومسد الثاني في الأخرى ( إنما نملي ) نمهل ( لهم ليزدادوا إثما ) بكثرة المعاصي (ولهم عذاب مهين ) ذو إهانة في الآخرة
179. ( ما كان الله ليذر ) ليترك ( المؤمنين على ما أنتم ) أيها الناس ( عليه ) من اختلاط المخلص بغيره ( حتى يميز ) بالتخفيف والتشديد يفصل ( الخبيث ) المنافق ( من الطيب ) المؤمن بالتكاليف الشاقة المبينة لذلك ففعل ذلك يوم أحد ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) فتعرفوا المنافق من غيره قبل التمييز ( ولكن الله يجتبي ) يختار ( من رسله من يشاء ) فيطلعه على غيبه كما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال المنافقين ( فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا ) النفاق ( فلكم أجر عظيم)
180. ( ولا يحسبن ) بالياء والتاء ( الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ) أي بزكاته ( هو ) أي بخلهم ( خيراً لهم ) مفعول ثان والضمير للفصل والأول بخلهم مقدراً قبل الموصول على الفوقانية وقبل الضمير على التحتانية ( بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به ) أي بزكاته من المال ( يوم القيامة ) بأن يجعل حية في عنقه تنهشه كما ورد في الحديث ( ولله ميراث السماوات والأرض ) يرثهما بعد فناء أهلهما ( والله بما تعملون ) بالتاء والياء ( خبير ) فيجازيكم به
181. ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) وهم اليهود قالوه لما نزل { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } وقالوا: لو كان غنيا ما استقرضنا ( سنكتب ) نأمر بكتب ( ما قالوا ) في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه ، وفي قراءةٍ { سيُكْتَب } بالياء مبنياً للمفعول ( و ) نكتب ( قتلَهم ) بالنصب والرفع ( الأنبياء بغير حق ونقول ) بالنون والياء أي الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة ( ذوقوا عذاب الحريق ) النار
182. ويقال لهم إذا ألقوا فيها: ( ذلك ) العذاب ( بما قدمت أيديكم ) عبر بها عن الإنسان لأن أكثر الأفعال تزاول بها ( وأن الله ليس بظلام ) أي بذي ظلم ( للعبيد ) فيعذبهم بغير ذنب
183. ( الذين ) نعت للذين قبله ( قالوا ) لمحمد ( إن الله ) قد ( عهد إلينا ) في التوراة ( ألا نؤمن لرسول ) نصدقه ( حتى يأتينا بقربان تأكله النار ) فلا نؤمن لك حتى يأتينا به وهو ما يتقرب به إلى الله من نعم وغيرها فإن قبل جاءت نار بيضاء من السماء فأحرقته وإلا بقي مكانه ، وعهد إلى بني إسرائيل ذلك إلا في المسيح ومحمد قال تعالى: ( قل ) لهم توبيخا ( قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات ) بالمعجزات ( وبالذي قلتم ) كزكريا ويحيى فقتلتموهم والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان الفعل لأجدادهم لرضاهم به ( فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) في أنكم تؤمنون عند الإتيان به
184. ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات ) المعجزات ( والزبر ) كصحف إبراهيم ( والكتاب ) وفي قراءة بإثبات الباء فيهما ( المنير ) الواضح هو التوراة والإنجيل فاصبر كما صبروا
185. ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم ) جزاء أعمالكم ( يوم القيامة فمن زحزح ) بعد ( عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) نال غاية مطلوبة ( وما الحياة الدنيا ) أي العيش فيها ( إلا متاع الغرور ) الباطل يتمتع به قليلا ثم يفنى
186. ( لتبلون ) حذف منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين ، لتختبرن ( في أموالكم ) بالفرائض فيها والجوائح ( وأنفسكم ) بالعبادات والبلاء ( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) اليهود والنصارى ( ومن الذين أشركوا ) من العرب ( أذى كثيرا ) من السب والطعن والتشبيب بنسائكم ( وإن تصبروا ) على ذلك ( وتتقوا ) الله ( فإن ذلك من عزم الأمور ) أي من معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها
187. ( و ) اذكر ( إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) أي العهد عليهم في التوراة ( ليبيننه ) أي الكتاب ( للناس ولا يكتمونه ) أي الكتاب بالياء والتاء بالفعلين ( فنبذوه ) طرحوا الميثاق ( وراء ظهورهم ) فلم يعملوا به ( واشتروا به ) أخذوا بدله ( ثمنا قليلا ) من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم ( فبئس ما يشترون ) شراؤهم هذا
188. ( لا تحسبن ) بالتاء والياء ( الذين يفرحون بما أتوا ) فعلوا في إضلال الناس ( ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) من التمسك بالحق وهم على ضلال ( فلا تحسبنهم ) بالوجهين تأكيد ( بمفازة ) بمكان ينجون فيه ( من العذاب ) من الآخرة بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم فيها ، ومفعولا يحسب الأولى دل عليهما مفعولا الثانية على قراءة التحتانية وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط
189. ( ولله ملك السماوات والأرض ) خزائن المطر والرزق والنبات وغيرها ( والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيب الكافرين وإنجاء المؤمنين
190. ( إن في خلق السماوات والأرض ) وما فيهما في العجائب ( واختلاف الليل والنهار ) بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان ( لآيات ) دلالات على قدرته تعالى ( لأولي الألباب ) لذوي العقول
191. ( الذين ) نعت لما قبله أو بدل ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) مضطجعين أي في كل حال ، وعن ابن عباس يصلون كذلك حسب الطاقة ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) ليستدلوا به على قدرة صانعهما يقولون ( ربنا ما خلقت هذا ) الخلق الذي نراه ( باطلاً ) حال ، عبثاً بل دليلاً على كمال قدرتك ( سبحانك ) تنزيها لك عن العبث ( فقنا عذاب النار )
192. ( ربنا إنك من تدخل النار ) للخلود فيها ( فقد أخزيته ) أهنته ( وما للظالمين ) الكافرين ، فيه وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بتخصيص الخزي بهم ( من ) زائدة ( أنصار ) يمنعونهم من عذاب الله تعالى
193. ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي ) يدعو الناس ( للإيمان ) أي إليه وهو محمد أو القرآن ( أن ) أي بأن ( آمنوا بربكم فآمنا ) به ( ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر ) غطِّ ( عنا سيئاتنا ) فلا تظهرها بالعقاب عليها ( وتوفنا ) اقبض أرواحنا ( مع ) في جملة (الأبرار ) الأنبياء الصالحين
194. ( ربنا وآتنا ) أعطنا ( ما وعدتنا ) به ( على ) ألسنة ( رسلك ) من الرحمة والفضل ، وسؤالهم ذلك وإن كان وعده تعالى لا يخلف سؤال أن يجعلهم من مستحقيه لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم له وتكرير ربنا مبالغة في التضرع ( ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) الوعد بالبعث والجزاء
195. ( فاستجاب لهم ربهم ) دعاءهم ( أني ) أي بأني ( لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم ) كائن ( من بعض ) أي الذكور من الاناث وبالعكس ، والجملة مؤكدة لما قبلها أي هم سواء في المجازاة بالأعمال وترك تضييعها ، نزلت لما قالت أم سلمة: يا رسول الله إني لا أسمع ذكر النساء بالهجرة بشيء ( فالذين هاجروا ) من مكة إلى المدينة ( وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي ) ديني ( وقاتلوا ) الكفار ( وقتلوا ) بالتخفيف والتشديد ، وفي قراءة بتقديمه ( لأكفرن عنهم سيئاتهم ) أسترها بالمغفرة (ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً ) مصدر من معنى لأكفرن مؤكد له ( من عند الله ) فيه التفات عن التكلم ( والله عنده حسن الثواب ) الجزاء
196. ونزل لما قال المسلمون: أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد: ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا ) تصرفهم ( في البلاد ) بالتجارة والكسب
197. هو ( متاع قليل ) يتمتعون به يسيراً في الدنيا ويفنى ( ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) الفراش هي
198. ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) أي مقدرين بالخلود ( فيها نزلاً ) وهو ما يعدُّ للضيف ، ونصبه على الحال من جنات والعامل فيها معنى الظرف ( من عند الله وما عند الله ) من الثواب ( خير للأبرار ) من متاع الدنيا
199. ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ) كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي ( وما أنزل إليكم ) أي القرآن ( وما أنزل إليهم ) أي التوراة والإنجيل ( خاشعين ) حال من ضمير يؤمن مراعى فيه معنى من أي: متواضعين ( لله لا يشترون بآيات الله ) التي عندهم في التوراة والإنجيل من بعث النبي صلى الله عليه وسلم ( ثمنا قليلا ) من الدنيا بأن يكتموها خوفا على الرياسة كفعل غيرهم من اليهود ( أولئك لهم أجرهم ) ثواب أعمالهم ( عند ربهم ) يؤتونه مرتين كما في القصص ( إن الله سريع الحساب ) يحاسب الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا
200. ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا ) على الطاعات والمصائب وعن المعاصي ( وصابروا ) الكفار فلا يكونوا أشد صبرا منكم (ورابطوا ) أقيموا على الجهاد ( واتقوا الله ) في جميع أحوالكم ( لعلكم تفلحون ) تفوزون بالجنة وتنجون من النار

4. سورة النساء [ مدنية وآياتها 176 أو 177 نزلت بعد الممتحنة ]
1. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( اتقوا ربكم ) أي عقابه بأن تطيعوه ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) آدم ( وخلق منها زوجها ) حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى ( وبث ) فرق ونشر ( منهما ) من آدم وحواء ( رجالاً كثيراً ونساء ) كثيرة ( واتقوا الله الذي تَسَّاءلون ) فيه إدغام التاء في الأصل في السين ، وفي قراءة بالتخفيف بحذفها أي تتساءلون ( به ) فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله وأنشدك بالله ( و ) اتقوا ( الأرحام ) أن تقطعوها ، وفي قراءة بالجر عطفا على الضمير في به وكانوا يتناشدون بالرحم ( إن الله كان عليكم رقيبا ) حافظا لأعمالكم فيجازيكم بها ، أي لم يزل متصفا بذلك
2. ونزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه: ( وآتوا اليتامى ) الصغار الذين لا أب لهم ( أموالهم ) إذا بلغوا ( ولا تتبدلوا الخبيث ) الحرام ( بالطيب ) الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه (ولا تأكلوا أموالَهم ) مضمومةً ( إلى أموالكم إنه ) أي أكلها ( كان حُوباً ) ذنباً ( كبيراً ) عظيماً
3. ولما نزلت تحرَّجوا من ولاية اليتامى وكان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل: ( وإن خفتم أ ) ن ( لا تقسطوا ) تعدلوا ( في اليتامى ) فتحرَّجتم من أمرهم فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن ( فانكحوا ) تزوجوا ( ما ) بمعنى من ( طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) أي اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ولا تزيدوا على ذلك ( فإن خفتم أ ) ن ( لا تعدلوا ) فيهن بالنفقة والقسم ( فواحدة ) انكحوها ( أو ) اقتصروا على ( ما ملكت أيمانكم ) من الإماء إذ ليس لهم من الحقوق ما للزوجات ( ذلك ) أي نكاح الأربع فقط أو الواحدة أو التسري ( أدنى ) أقرب إلى ( ألا تعولوا ) تجوروا
4. ( وآتوا ) أعطوا ( النساء صَدُقاتهن ) جمع صدُقة ، مهورهن ( نِحلةً ) مصدر ، عطية عن طيب نفس ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً ) تمييز محول عن الفاعل ، أي طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصِداق فوهبنه لكم ( فكلوه هنيئاً ) طيباً ( مريئاً) محمود العاقبة لا ضرر فيه عليكم في الآخرة ، نزلت رداً على من كرَّه ذلك
5. ( ولا تؤتوا ) أيها الأولياء ( السفهاء ) المبذرين من الرجال والنساء والصبيان ( أموالكم ) أي أموالهم التي في أيديكم ( التي جعل الله لكم قياماً ) مصدر قام ، أي تقوم بمعاشكم وصلاح أولادكم فيضعوها في غير وجهها ، وفي قراءة { قِيَماً } جمع قيمة ، ما تُقَوَّمُ به الأمتعة ( وارزقوهم فيها ) أطعموهم منها ( واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً ) عُدوهم عِدة جميلة بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا
6. ( وابتلوا ) اختبروا ( اليتامى ) قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أحوالهم ( حتى إذا بلغوا النكاح ) أي صاروا أهلاً له بالاحتلام أو السن وهو استكمال خمسة عشر سنة عند الشافعي ( فإن آنستم ) أبصرتم ( منهم رُشْداً ) صلاحاً في دينهم ومالهم ( فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها ) أيها الأولياء ( إسرافا ) بغير حق حال ( وبداراً ) أي مبادرين إلى إنفاقها مخافة ( أن يكبروا) رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم ( ومن كان ) من الأولياء ( غنياً فليستعفف ) أي يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله ( ومن كان فقيراً فليأكل ) منه ( بالمعروف ) بقدر أجرة عمله ( فإذا دفعتم إليهم ) أي إلى اليتامى ( أموالهم فأشهدوا عليهم ) أنهم تسلموها وبرئتم لئلا يقع اختلاف فترجعوا إلى البينة ، وهذا الأمر إرشاد ( وكفى بالله ) الباء زائدة ( حسيباً ) حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبهم
7. ونزل رداً لما كان عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار: ( للرجال ) الأولاد والأقرباء ( نصيبٌ ) حظٌ ( مما ترك الوالدان والأقربون ) المتوفون ( وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه ) أي المال ( أو كثر ) جعله الله (نصيباً مفروضاً ) مقطوعاً بتسليمه إليهم
8. ( وإذا حضر القسمة ) للميراث ( أولوا القربى ) ذوو القرابة ممن لا يرث ( واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) شيئاً قبل القسمة ( وقولوا ) أيها الأولياء ( لهم ) إذا كان الورثة صغاراً ( قولاً معروفاً ) جميلاً بأن تعتذروا إليهم أنكم لا تملكونه وأنه للصغار وهذا قيل إنه منسوخ وقيل لا ولكن تهاون الناس في تركه وعليه فهو ندب ، وعن ابن عباس واجب
9. ( وليخش ) أي ليخف على اليتامى ( الذين لو تركوا ) أي قاربوا أن يتركوا ( من خلفهم ) أي بعد موتهم ( ذريةً ضعافاً ) أولاداً صغاراً ( خافوا عليهم ) الضياع ( فليتقوا الله ) في أمر اليتامى وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم ( وليقولوا ) لمن حضرته الوفاة ( قولاً سديداً ) صواباً بأن يأمروه أن يتصدق بدون ثلثه ويدع الباقي لورثته ولا يتركهم عالة
10. ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ) بغير حق ( إنما يأكلون في بطونهم ) أي ملأها ( ناراً ) لأنه يؤول إليها (وسيَصْلَون ) بالبناء للفاعل والمفعول يدخلون ( سعيرا ) نارا شديدة يحترقون فيها
11. ( يوصيكم ) يأمركم ( الله في ) شأن ( أولادكم ) بما يذكر ( للذكر ) منهم ( مثل حظ ) نصيب ( الأنثيين ) إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإن انفرد حاز المال ( فإن كن ) أي الأولاد ( نساءً ) فقط ( فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) الميت وكذا الاثنتان لأنه للأختين بقوله { فلهما الثلثان مما ترك } فهما أولى ولأن البنت تستحق الثلث مع الذكر فمع الأنثى أولى { وفوق } قيل صلة وقيل لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما فهم استحقاق البنتين الثلثين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر ( وإن كانت ) المولودة ( واحدةً ) وفي قراءة بالرفع فكان تامة ( فلها النصف ولأبويه) أي الميت ويبدل منهما ( لكل واحد منهما السدُس مما ترك إن كان له ولد ) ذكر أو أنثى ونكتة البدل إفادة أنهما لا يشتركان فيه وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجد ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه ) فقط أو مع زوج ( فلأمه ) بضم الهمزة وكسرها فرارا من الانتقال من ضمة إلى كسرة لثقله في الموضعين ( الثلُث ) أي ثلث المال أو ما يبقى بعد الزوج والباقي للأب ( فإن كان له إخوة ) أي اثنان فصاعدا ذكورا أو إناثا ( فلأمه السدُس ) والباقي للأب ولا شيء للأخوة وإرث من ذكر ما ذكر ( من بعد ) تنفيذ ( وصية يوصي ) بالبناء للفاعل والمفعول ( بها أو ) قضاء ( دين ) عليه وتقديم الوصية على الدين وإن كانت مؤخرة عنه في الوفاء للاهتمام بها ( آباؤكم وأبناؤكم ) مبتدأ خبره ( لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) في الدنيا والآخرة فظانٌّ أن ابنه أنفع له فيعطيه الميراث فيكون الأب أنفع وبالعكس وإنما العالم بذلك هو الله ففرض لكم الميراث ( فريضة من الله إن الله كان عليما) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم أي لم يزل متصفا بذلك
12. ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ) منكم أو من غيركم ( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ) وألحق بالولد في ذلك ولد الابن بالاجماع ( ولهن ) أي الزوجات تعددن أو لا ( الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد ) منهن أو من غيرهن ( فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ) وولد الابن في ذلك كالولد إجماعا ( وإن كان رجل يورث ) صفة والخبر ( كلالة ) أي لا والد له ولا ولد ( أو امرأة ) تورث كلالة ( وله) أي للمورث كلالة ( أخ أو أخت ) أي من أم وقرأ به ابن مسعود وغيره ( فلكل واحد منهما السدس ) مما ترك ( فإن كانوا ) أي الإخوة والأخوات من الأم ( أكثر من ذلك ) أي من واحد ( فهم شركاء في الثلث ) يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) حال من ضمير يوصى أي غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث ( وصية ) مصدر مؤكد ليوصيكم ( من الله والله عليم ) بما دبره لخلقه من الفرائض ( حليم ) بتأخير العقوبة عمن خالفه ، وخصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق
13. ( تلك ) الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده ( حدود الله ) شرائعه التي حدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها ( ومن يطع الله ورسوله ) فيما حكم به ( يدخله ) بالياء والنون التفاتاً ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم )
14. ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ) بالوجهين ( ناراً خالداً فيها وله ) فيها ( عذاب مهين ) ذو إهانة روعي في الضمائر في الآيتين لفظ { من } وفي { خالدين } معناها
15. ( واللاتي يأتين الفاحشة ) الزنا [ وعن الشيخ محمود الرنكوسي أن المراد بها السحاق لأن الآيات الواردة في عقوبة الزنا أتت في سورة النور. دار الحديث ] ( من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ) أي من رجالكم المسلمين ( فإن شهدوا ) عليهن بها ( فأمسكوهن ) احبسوهن ( في البيوت ) وامنعوهن من مخالطة الناس ( حتى يتوفاهن الموت ) أي ملائكته ( أو ) إلى أن ( يجعل الله لهن سبيلاً ) طريقاً إلى الخروج منها ، أمروا بذلك أول الإسلام ثم جعل لهن سبيلاً بجلد البكر مائة وتغريبها عاما ورجم المحصنة ، وفي الحديث لما بيَّن الحد قال: « خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا » رواه مسلم
16. ( واللّذان ) بتخفيف النون وتشديدها ( يأتيانها ) أي الفاحشة الزنا أو اللواط ( منكم ) أي الرجال ( فآذوهما ) بالسب والضرب بالنعال ( فإن تابا ) منها ( وأصلحا ) العمل ( فأعرضوا عنهما ) ولا تؤذوهما ( إن الله كان توابا ) على من تاب ( رحيما ) به ، وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا وكذا إن أريد بها اللواط عند الشافعي لكن المفعول به لا يرجم عنده وإن كان محصنا بل يجلد ويغرب وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأول قال أراد الزاني والزانية ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس
17. ( إنما التوبة على الله ) أي التي كتب على نفسه قبولها بفضله ( للذين يعملون السوء ) المعصية ( بجهالة ) حال أي جاهلين إذ عصوا ربهم ( ثم يتوبون من ) زمن ( قريب ) قبل أن يغرغروا ( فأولئك يتوب الله عليهم ) يقبل توبتهم ( وكان الله عليماً ) بخلقه ( حكيماً ) في صنعه بهم
18. ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات ) الذنوب ( حتى إذا حضر أحدهم الموت ) وأخذ في النزع ( قال ) عند مشاهدة ما هو فيه ( إني تبت الآن ) فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا تقبل منهم ( أولئك أعتدنا ) أعددنا ( لهم عذابا أليما ) مؤلما
19. ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء ) أي ذاتهن ( كَرها ) بالفتح والضم لغتان ، أي مكرهيهن على ذلك كانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم فإن شاءوا تزوجوهن بلا صداق أو زوجوها وأخذوا صداقها أو عضلوها حتى تفتدي بما ورثته أو تموت فيرثوها فنهوا عن ذلك ( ولا ) أن ( تعضُلوهن ) أي تمنعوا أزواجكم عن نكاح غيركم بإمساكهن ولا رغبة لكم فيهن ضراراً ( لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) من المهر ( إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيَّنة ) بفتح الياء وكسرها ، أي بِيْنَتْ أو هي بينة ، أي زنا أو نشوز فلكم أن تضاروهن حتى يفتدين منكم ويختلعن ( وعاشروهن بالمعروف ) أي بالإجمال في القول والنفقة والمبيت ( فإن كرهتموهن ) فاصبروا (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا
20. ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ) أي أخذ بدلها بأن طلقتموها ( و ) قد ( آتيتم إحداهن ) أي الزوجات ( قنطارا ) مالا كثيرا صداقا ( فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا ) ظلما ( وإثما مبينا ) بينا ، ونصبهما على الحال
21. والاستفهام للتوبيخ وللإنكار في قوله: ( وكيف تأخذونه ) أي بأي وجه ( وقد أفضى ) وصل ( بعضكم إلى بعض ) بالجماع المقرر للمهر ( وأخذن منكم ميثاقا ) عهدا ( غليظا ) شديدا وهو ما أمر الله به من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان
22. ( ولا تنكحوا ما ) بمعنى من ( نكح آباؤكم من النساء إلا ) لكن ( ما قد سلف ) من فعلكم ذلك فإنه معفو عنه ( إنه) أي نكاحهن ( كان فاحشة ) قبيحا ( ومقتا ) سببا للمقت من الله وهو أشد البغض ( وساء ) بئس ( سبيلاً ) طريقاً ذلك
23. ( حُرِّمَت عليكم أمهاتكم ) أن تنكحوهن وشملت الجدات من قبل الأب أو الأم ( وبناتكم ) وشملت الأولاد وإن سفلن (وأخواتكم ) من جهة الأب أو الأم ( وعماتكم ) أي أخوات آبائكم وأجدادكم ( وخالاتكم ) أي أخوات أمهاتكم وجداتكم ( وبنات الأخ وبنات الأخت ) ويدخل فيهن أولادهم ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) قبل استكمال الحولين خمس رضعات كما بينه الحديث ( وأخواتكم من الرضاعة ) ويلحق بذلك بالسنة البنات منها وهن من أرضعتهن موطوأته والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت منها لحديث: « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » . رواه البخاري ومسلم. ( وأمهات نسائكم وربائبكم ) جمع ربيبة وهي بنت الزوجة من غيره ( اللاتي في حجوركم ) تربونها صفة موافقة للغالب فلا مفهوم لها ( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) أي جامعتموهن ( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن ( وحلائل ) أزواج ( أبنائكم الذين من أصلابكم ) بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم ( وأن تجمعوا بين الأختين ) من نسب أو رضاع بالنكاح ويلحق بهما بالسنة بينها وبين عمتها أو خالتها ويجوز نكاح كل واحدة على الانفراد وملكهما معاً ويطأ واحدة ( إلا ) لكن ( ما قد سلف ) في الجاهلية من نكاحهم بعض ما ذكر فلا جناح عليكم فيه ( إن الله كان غفوراً ) لما سلف منكم قبل النهي ( رحيما ) بكم في ذلك